----- Original Message -----
From: Rania
Sent: Sunday, May 26, 2002 1:19 PM
Subject: مولد الهدى : دروس من السيرة ( 2 )

 
البشارة برسول الله في كتب السابقين
حديث بحيرى الراهب
 
 
يدل حديث بحيرى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم على أن أهل الكتاب من يهود و نصارى كان عندهم علم ببعثة النبي عليه الصلاة و السلام و معرفة بعلاماته ، و ذلك بواسطة ما جاء في التوراة و الإنجيل من خبر بعثته و بيان دلائله و أوصافه . و الدلائل على ذلك كثيرة :
 
 
 
و لا ينافي هذا أن كثيراً من أهل الكتاب ينكرون هذا العلم ، و أن الأناجيل المتداولة خالية من الإشارة إلى ذكر النبي صلى الله عليه و سلم ، فمن المعلوم ما تقلَّب على هذه الكتب من أيدي التبديل و التغيير المتلاحقة ، و صدق الله العظيم إذ يقول في محكم تبيانه : (( فويلٌ للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً ، فويلٌ لهم مما كتبت أيديهم ، وويلٌ لهم مما يكسبون ))
 

رعي الأغنام
 
عندما بدأ رسول الله صلى الله عليه و سلم يستقبل فترة الشباب من عمره ، بدأ بالسعي للرزق و راح يشتغل برعي الغنم ، و لقد قال عليه الصلاة و السلام عن نفسه فيما بعد : " كنت أرعى الغنم على قراريط لأهل مكة " .
 
و لإقباله على رعي الغنم طلباً للرزق و اكتساب القوت ثلاث دلالات هامة :
 
أولاً : الذوق الرفيع و الإحساس الدقيق اللذان جمَّل الله بهما نبيه محمداً صلى الله عليه و سلم . لقد كان عمه يحوطه بالعناية التامة ، و كان له في الحنوِّ و الشفقة كالأب الرؤوف ، و لكنه صلى الله عليه و سلم ما إن آنس في نفسه القدرة على الكسب حتى أقبل يكتسب و يجهد جهده لرفع بعض ما يمكن رفعه من مؤونة الإنفاق عن عمه . وربما كانت الفائدة التي يجنيها من وراء عمله الذي اختاره الله له فائدة قليلة غير ذات أهمية بالنسبة لعمه أبي طالب ، و لكنه على كلٍّ تعبير أخلاقي رفيع عن شكره له ، و شهامة طبعه ، و البر في المعاملة .
 
ثانياً : يدل ذلك على نوع الحياة التي يرتضيها الله لعباده الصالحين . لقد كان سهلاً على القدرة الإلهية أن تهيئ للنبي و هو في صدر حياته من أسباب الرفاهية و وسائل العيش ما يغنيه عن الكدح و رعاية الأغنام سعياً وراء القوت . و لكن الحكمة الإلهية تقتضي منا أن نعلم أن خير مال الإنسان هو ما اكتسبه بكدِّ يمينه ، و لقاء ما يقدمه من الخدمة لمجتمعه و بني جنسه ، و شر المال ما أصابه الإنسان و هو مستلقٍ على ظهره دون أن يرى أيَّ تعبٍ في سبيله ، و دون أن يبذل أي فائدة للمجتمع في مقابله .
 
ثالثاً : إن صاحب أي دعوة لن تقوم لدعوته أي قيمة في الناس إذا ما كان كسبه و رزقه من وراء دعوته أو على أساس من عطايا الناس و صدقاتهم . و لذا فقد كان صاحب الدعوة الإسلامية أحرى الناس كلهم بأن يعتمد في معيشته على جهده الشخصي أو مورد شريف لا  استجداء فيه ، حتى لا تكون عليه لأحد من الناس منَّة أو فضل في دنياه ، فيعوقه ذلك عن أن يصدع بكلمة الحق في وجهه غير مبالٍ .
 
هذا المعنى ، و إن لم يكن في ذهن رسول الله في هذه الفترة ؛ إذ إنه لم يكن يعلم بما سيوكل إليه من شأن الدعوة و الرسالة الإلهية ، غير أن المنهج الذي هيَّأه الله له ينطوي على هذه الحكمة ، و يوضح أن الله تعالى قد أراد أن لا يكون في شئ من حياة الرسول قبل البعثة ما يعرقل سبيل دعوته أو يؤثر عليها أي تأثير سلبي فيما بعد البعثة .