----- Original Message -----
From: Rania
Sent: Monday, May 27, 2002 4:28 PM
Subject: مولد الهدى : دروس من السيرة ( 3 )

 
عِفة الشباب
 
كان رسول الله صلى الله عليه و سلم شاباً عفيفاً ، و حفظه الله من كل ما قد ينحرف إليه الشبان من مظاهر اللهو والعبث .
 
قال عليه الصلاة و السلام فيما يرويه عن نفسه : " ما هممت بشئ مما كانوا في الجاهلية يعملونه غير مرتين ، كل ذلك يحول الله بيني و بينه ، ثم ما هممت به حتى أكرمني الله بالرسالة . قلت ليلةً للغلام الذي يرعى معي بأعلى مكة : لو أبصرت لي غنمي حتى أدخل مكة و أسمُر بها كما يسمُر الشباب ، فقال : أفعل . فخرجت حتى إذا كنت عند أول دار بمكة سمعت عزفاً ، فقلت : ما هذا ؟ فقالوا : عُرْس ، فجلست أسمع ، فضرب الله على أذني فنمت فما أيقظني إلا حر الشمس ( أي في اليوم التالي ) ، فعدت إلى صاحبي ، فسألني فأخبرته ، ثم قلت له ليلة أخرى مثل ذلك و دخلت مكة فأصابني مثل أول ليلة ، ثم ما هممت بعده بسوء " .
 
يتضح لنا من ذلك حقيقتان كل منهما على جانب كبير من الأهمية :
 
أولاً : أن النبي صلى الله عليه و سلم كان متمتعاً بخصائص البشرية كلها ، و كان يجد في نفسه ما يجده كل شاب من مختلف الميولات الفطرية التي اقتضت حكمة الله أن يجبل الناس عليها . فكان يحس بمعنى اللهو و السمر ويشعر بما في ذلك من متعة ، و تحدثه نفسه لو تمتع بشئ من ذلك كما يتمتع الآخرون .
 
ثانياً : أن الله عز و جل قد عصمه مع ذلك من جميع مظاهر الانحراف و عن كل ما لا يتفق مع مقتضيات الدعوة التي هيأه الله لها ، فهو ـ حتى قبل أن يجد لديه الوحي أو الشريعة التي تعصمه من الاستجابة لكثير من رغائب النفس ـ  يجد عاصماً آخر خفياً يحول بينه و بين ما قد تتطلع إليه نفسه مما لا يليق بمن هيأته الأقدار لتتميم مكارم الأخلاق وإرساء شريعة الإسلام .
 
و في اجتماع هاتين الحقيقتين لديه صلى الله عليه و سلم دليل واضح على أن ثمَّة عناية إلهية خاصة تُسَيِّره و تأخذ بيده بدون وساطة الأسباب المعروفة كوسائل التربية و التوجيه ، و من ذا الذي يوجهه في طريق هذه العصمة و كل الذين حوله من أهله و بني قومه و جيرانه غرباء عن هذا الطريق .. ضالون عن هذه الوجهة ؟؟
 
لا جرم إذن أن هذه العناية الإلهية الخاصة التي جعلت لشباب النبي صلى الله عليه و سلم طريقاً دقيقاً من النور يمخر عباب الجاهلية هي من أعظم الآيات الدالة على معنى النبوة التي خلقه الله لها و هيأه لحمل أعبائها ، و على أن معنى النبوة هو الأساس في تكوين شخصيته و اتجاهاته النفسية و الفكرية و السلوكية في الحياة .
 
و كان من اليسير أن يولد الحبيب الأعظم صلى الله عليه و سلم و قد انتزعت من نفسه كل هذه الدوافع الغريزية إلى التمتع بالشهوات و الأهواء ، فلا يجد في نفسه ما يدفعه أصلاً إلى ترك أغنامه أمانة عند زميله ليهبط إلى بيوت مكة فيبحث بينها عن قوم يسمرون أو يمرحون و يلهون . غير أن ذلك لا يدل حينذاك على أكثر من الانحراف عن الطبيعة البشرية و الشذوذ في التركيب النفساني ، و هي ظاهرة يوجد لها نماذج في كل قوم و عصر ، و إذن فليس هناك حينئذٍ ما يدل على العناية الخفية التي تصرفه عما لا يليق . و إنما اقتضت حكمة الله عز و جل أن يتبدى للناس من هذه العناية الإلهية بالرسول الكريم ما يسهل عليهم أسباب الإيمان برسالته و يبعد عن أفكارهم عوامل الريب في صدقه .
 

 
شبابنا وكيد الأعداء
 
 

الشباب ( عمرو خالد  ) .. محاضرة ممتازة
مدة المحاضرة : 47 دقيقة