----- Original Message -----
From: Rania
Sent: Friday, May 31, 2002 1:35 PM
Subject: مولد الهدى : دروس من السيرة ( 6 )

 
الخلوة . . مع الله
 
عندما اقترب صلى الله عليه و سلم من سن الأربعين ، نشأ لديه حب للعزلة بين الفترة و الأخرى ، و حبب الله إليه الاختلاء في غار حراء ـ و حراء جبل يقع في الشمال الغربي من مكة ـ فكان يخلو فيه و يتعبد الليالي ذوات العدد ، ثم يعود إلى بيته فلا يكاد يمكث فيه قليلاً حتى يتزود من جديد لخلوة أخرى و يعود الكرة إلى غار حراء .. و هكذا إلى أن جاءه الوحي و هو في إحدى خلواته .
 

 
فضل الخلوة
 
المسلم مهما كان متحلياً بالفضائل قائماً بألوان العبادات ، فهو في حاجة إلى أن يجمع لذلك ساعات من العزلة والخلوة يحسب فيها نفسه ، و يراقب الله تعالى ، و يفكر في مظاهر الكون و دلائل ذلك على عظمة الله .
 
و حكمة ذلك أن للنفس آفات لا يقطع شرتها إلا دواء العزلة عن الناس .. و محاسبة النفس في نجوة من ضجيج الدنيا و مظاهرها . فالكبر ، و العُجْب ، و الحسد ، و الرياء ، و حب الدنيا .. كل ذلك آفات من شأنها أن تتحكم في النفس و تتغلغل إلى أعماق القلب و تعمل عملها التهديمي في باطن الإنسان .. على الرغم مما قد يتحلى به ظاهره من الأعمال الصالحة و العبادات المبرورة ، و القيام بشؤون الدعوة و الإرشاد و موعظة الناس .
 
و ليس لهذه الآفات من دواء إلا أن يتخلى صاحبها بين كل فترة و أخرى مع نفسه ليتأمل في حقيقتها و مُنْشِئها ، ومدى حاجتها إلى عناية الله و توفيقه في كل لحظة من لحظات الحياة ..
 
ثم ليتأمل في الناس و مدى ضعفهم أمام الخالق عز و جل ، و في عدم فائدة مدحهم أو قدحهم ..
 
ثم ليتفكر في مظاهر عظمة الله ، و في اليوم الآخر ، و في الحساب و طوله ، و في عظيم رحمة الله .. و عظيم عقابه .
 
فعند التفكير الطويل المتكرر في هذه الأمور ، تتساقط تلك الآفات اللاحقة بالنفس ، و يحيا القلب بنور العرفان والصفاء .. فلا يبقى لعكر الدنيا سبيل إلى تكدير نقائه .
 

 
الخلوة سبيل إلى محبة الله
 
هناك شئ بالغ الأهمية في حياة المسلمين عامة ، و أرباب الدعوة خاصة : و هو تربية محبة الله عز و جل في القلب، فهو منبع التضحية و الجهاد ، و أساس كل دعوة متأججة صحيحة .
 
و محبة الله تعالى لا تأتي من مجرد الإيمان العقلي به ، فالأمور العقلانية وحدها ما كانت يوماً لتؤثر في العواطف والقلوب . و لو كان كذلك لكان المستشرقون في مقدمة المؤمنين بالله و رسوله ، و لكانت أفئدتهم من أشد الأفئدة حباً لله و رسوله ، إذ إنهم من أشد الناس اقتناعاً بصدق الدعوة الإسلامية .. و لكنه الكبر و التعصب و العناد .
 
و إنما الوسيلة إلى محبة الله تعالى ـ بعد الإيمان به ـ كثرة التفكير في آلائه و نعمه ، و التأمل في مدى جلاله وعظمته ، ثم الإكثار من ذكره سبحانه و تعالى بالقلب و اللسان . و إنما يتم كل ذلك بالعزلة و الخلوة و الابتعاد عن شواغل الدنيا و ضوضائها في فترات متقطعة متكررة من الزمن .
 
فإذا قام المسلم بذلك و تهيأ له أداء هذه الوظيفة ، نبتت له من ذلك في قلبه محبة إلهية عارمة ، تجعله يستصغر كل عظيم .. و يحتقر كل المغريات .. و يستهين بكل إيذاء و عذاب .. و يعلو فوق كل إذلال أو استهزاء ؛ ذلك لأن الدوافع الوجدانية في القلب من خوف و محبة و رجاء تفعل ما لا يفعله الفهم العقلي المجرد .
 
فتلك هي العدة الكبرى التي ينبغي أن يتسلح بها الدعاة إلى الله ..
و تلك هي العدة التي جهز الله بها حبيبه محمداً صلى الله عليه و سلم ليقوم بأعباء الدعوة الإسلامية
 
 
غير أنه لا ينبغي فهم معنى الخلوة على أنها الانصراف الكلي عن الناس و اتخاذ الكهوف و الجبال موطناً ، و اعتبار ذلك فضيلة بحد ذاتها .. فذلك مخالف لهديه صلى الله عليه و سلم و لما كان عليه عامة الصحابة .
 

 
مع الله .. نشيد