----- Original Message -----
From: Rania
Sent: Sunday, June 02, 2002 4:05 PM
Subject: مولد الهدى : دروس من السيرة ( 7 ـ 2 )

 
و ما ينطق عن الهوى
( 2 )
من كتاب " رداً على الملاحدة  و العلمانيين "
للشيخ الشعراوي ( باختصار و تصرف )
( ملحوظة : الشيخ رحمه الله كان معروفاً بأسلوبه السلس المسترسل ، لذلك نجد الكلام هنا أشبه ما يكون بتفريغ لمحاضرة شفوية )
 
يقول الإمام رحمه الله :
 
و للرد على هؤلاء نقول باختصار :
 
هل المصروع يمكنه أن يقول و يكرر ما قاله عند صرعه ؟
 
إن المصروع يفعل ما يفعل و حين يفيق ينكر ما فعل و لا يذكره ، و لكن الذي حدث لمحمد صلى الله عليه و سلم أنه كان حين يأتيه الوحي تراه في منتهى الهدوء و السكون ، و لا يحدث له إلا نوع من الاضطراب دون كلام .
 
فلم يجربوا عليه أثناء الوحي كلمة خرجت منه و لا تصرفاً في جوارحه ، و إنما يلاحظون أشياء كانت تحدث فيه و هو في منتهى الثبات و في منتهى الاستقرار و في منتهى الاتزان ، و إذا ما انفصل عنه الوحي حكى ما أوحى الله به له .
 
و الذي يدل على بطلان ذلك الادعاء أنه كان يوحى إليه الآيات الطوال من القرآن الكريم طولاً يستغرق وقتاً طويلاً ليحكيه و يقوله .. فإذا ما قاله كتبه كُتَّاب الوحي عنه .. يجئ إليه الوحي بالقرآن فيقرؤه في الصلاة ، و حين يقرؤه في الصلاة يقرؤه كما كتبوه عنه .. فهل يوجد واحد يستطيع أن يأتي بكلام يستغرق الساعة فأكثر ثم يقال له أعده كما قلته فيعيده كما قاله ؟ لا شك أن ذلك دليل على أنه يَصدُر عن قضية قالها القرآن : (( سنُقْرِئُك فلا تنسى )) .
 
 
جعلوا من ذلك مصدر تشكيك ، نقول لهم : إن الذي أخذتموه لتجعلوه ضد نبي الإسلام هو في صالح نبي الإسلام :
 
فإذا ما جئنا بالأسلوب القرآني ، و أسلوب الحديث القدسي ، و أسلوب الحديث النبوي فسنجد أساليب ثلاثة .. لا يمتزج فيها أسلوب بأسلوب ، و لا يشتبه فيها أسلوب بأسلوب ، أساليب ثلاثة لكل أسلوب خواصه و مميزاته وطبائعه .
 
- فالقرآن يوحيه له الله و يأتي وحياً معجزاً مُتَحدَّى به
- و الحديث القدسي يأتي أيضاً من الله ، لكنه ليس مُتَحدَّى به و لا مُتعبَّداً بتلاوته ، فلا يمكن أن نصلي به
- أما الحديث النبوي فهو من قوله عليه الصلاة و السلام
 
و أيضاً هناك ثلاثة طرق في توصيل الوحي إلى الرسل : يقول تعالى : (( و ما كان لبشرٍ أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحيَ بإذنه ما يشاء )) .
 
كل ما يمكن أن يكون من الاتصال بين الله و بين رسله مرة يكون بالإلهام الذي يسميه الله وحياً ، و مرة يجئ الكلام من وراء حجاب كما حدث ليلة الإسراء و المعراج أو كما حدث لموسى حين كلمه ربه ، و الطريق الثالث هو أن يرسل رسولاً و هو جبريل عليه السلام فيوحي بإذنه ما يشاء .
 
فالقرآن لم يثبت إلا بهذا الطريق الثالث ، أما الحديث القدسي و الحديث النبوي فيمكن أن يأتيا بالطريقين الآخرين .
 
و قد حظي القرآن بذلك لأنه معجزة متحدى بها ، فلابد أن يوجد وحي من الله ليكون ذلك إلزاماً
 
و لذلك يجب أن نفهم أن اختلاف أسلوب القرآن عن الحديث النبوي و عن الحديث القدسي يجب ألا يكون مثار تشكيك، و إنما يجب أن يكون دليل إيمان على أن الرسول أعطي ثلاثة أساليب للأداء لا يشترك أسلوب منها مع أسلوب ، و لا تشتبه طريقة أدائية مع طريقة أدائية أخرى .
 

 
طرق الوحي
 
فهذه متاعب تحملها رسول الله صلى الله عليه و سلم عن أمته ليأخذ عن الله ، و لو أن الله أراد أن يخاطب كل الناس كما خاطب رسول الله لكان في ذلك العَنَت و المشقة على الجميع ..
 
و لكن الله اصطفى واحداً ليُحمِّله هذه المهمة .. مهمة تلقي الوحي بتبعاته و مشقاته ..
 

( يتبع )