----- Original Message -----
From: Rania
Sent: Wednesday, June 05, 2002 6:36 PM
Subject: مولد الهدى : دروس من السيرة ( 9 )

 
إن النصر مع الصبر
 
إن قريش اشتدت في معاداتها لرسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه . أما رسول الله فقد لاقى من إيذائهم أنواعاً كثيرة ، و أما أصحابه رضوان الله عليهم فقد تجرع كل منهم ألواناً من العذاب ، حتى مات منهم من مات و عمي منهم من عمي ... و لم يثنهم ذلك عن دين الله شيئاً .
 

أساليب قريش لمواجهة الدعوة


 
أول ما يخطر في بال المتأمل حينما يرى ما لقيه رسول الله و أصحابه من صنوف الإيذاء و العذاب من المشركين هو أن يتساءل :
فيم هذا العذاب الذي لقوه و هم عل الحق ؟!
 
و لماذا لم يعصمهم الله عز و جل منه و هم جنوده و فيهم رسوله ، يدعون إلى دينه ، و يجاهدون في سبيله ؟!
و الجواب :
 
أن أول صفة للإنسان في الدنيا هي أنه مُكَلَّف ؛ أي أنه مطالب من قِبَل الله عز و جل بحمل ما فيه كُلْفة و مشقة . وأمر الدعوة إلى الإسلام و الجهاد لإعلاء كلمته من أهم متعلقات التكليف .. و التكليف من أهم مستلزمات العبودية لله تعالى . و من أجل هذا كان واجب عباد الله في هذه الدنيا تحقيق أمرين اثنين :
 
أولهما : التمسك بالإسلام و إقامة المجتمع الإسلامي الصحيح .
 
ثانيهما : سلوك السبل الشاقة إليه و اقتحام المخاطر و بذل المُهَج و المال من أجل تحقيق ذلك .
و لو شاء الله لجعل السبيل إلى إقامة المجتمع الإسلامي سهلاً مُعبَّداً ، و لكن السير في هذه السبيل لا يدل حينئذ على شئ من عبودية السالك لله عز و جل ، و على أنه قد باع حياته و ماله له عز و جل يوم أن أعلن الإيمان به ، وعلى أن جميع أهوائه تابعة و منقادة لما جاء به الرسول صلى الله عليه و سلم .. فيستوي حينئذ المؤمن و الكافر ، فلا يتمحَّص الواحد منهم عن الآخر .
 
فلو تُرِك الناس لدعوى الإسلام و محبة الله بألسنتهم فقط لاستوى الصادق و الكاذب ، و لكن الفتنة و الابتلاء هما الميزان الذي يميز الصادق عن الكاذب ، و صدق الله القائل : (( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة و لمَّا يعلم الله الذين جاهدوا منكم و يعلم الصابرين )) .
 
 
 
ألا إن نصر الله قريب
 
و إذا كانت هذه سنة الله في عباده ، فلن تجد لسنة الله تبديلاً حتى مع أنبيائه و أصفيائه . من أجل ذلك أوذي رسول الله و أوذي من قبله جميع الأنبياء و الرسل ، و من أجل ذلك أوذي أصحاب رسول الله رغم عظيم فضلهم و جليل قدرهم عند الله  .
 
و لذا ، فإنه لا ينبغي للمسلم أن يتوهم اليأس إذا ما عانى شيئاً من المشقة أو المحنة ، بل العكس هو ما ينسجم مع طبيعة هذا الدين ... أي أن على المسلمين أن يستبشروا بالنصر كلما رأوا أنهم يتحملون مزيداً من الضر و النكبات سعياً لتحقيق أمر ربهم عز و جل .
 
(( أم حسِبْتم أن تدخلوا الجنة و لمَّا يأتكم مَثَلُ الذين خَلَوْا من قبلكم ، مستهم البأساء و الضراء و زلزلوا حتى يقول الرسول و الذين معه متى نصر الله ؟؟ .. ألا إن نصر الله قريب ))
 
و تجد برهان هذا جلياً في ما رواه البخاري عن الصحابي الجليل "خُبَيْب بن الأرتّ " حينما جاء إلى النبي و قد غالبه العذاب الذي اكتوى به معظم جسده ، يشكو إليه ذلك و يسأله الدعاء للمسلمين بالنصر . فقد كان جواب رسول الله صلى الله عليه و سلم بهذا المعنى :
 
" إن كنت تتعجب من العذاب و الأذى و تستغرب أن ترى ذلك في سبيل الله عز وجل فاعلم أن هذا هو السبيل .. وتلك هي سنة الله في جميع عباده الذين آمنوا به ، مُشِطَ الكثير منهم في سبيل دينه بأمشاط الحديد ما بين مفرق الرأس إلى القدم فما صدهم ذلك عن شئ من دين الله . و إن كنت ترى في العذاب دلائل اليأس و القنوط من النصر فأنت متوهم .. بل الحق هو أن تجد في العذاب و الألم سيراً في الطريق و اقتراباً من النصر .. و سينصرنَّ الله هذا الدين حتى يسير الرجل من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله و الذئب على غنمه "