----- Original Message -----
From: Rania
Sent: Friday, June 07, 2002 3:57 PM
Subject: مولد الهدى : دروس من السيرة ( 11 )

 
سلاح المقاطعة
 
أجمعت قريش على مقاطعة رسول الله و من معه من المسلمين و من يحميه من بني هاشم و بني المطلب ( قومه ) ، فكتبوا بذلك كتاباً تعاقدوا فيه على ألا يناكحوهم ، و لا يبايعوهم ، و لا يتركوا سبباً من أسباب الرزق يصل إليهم ، و لا يقبلوا منهم صلحاً ، و لا تأخذهم بهم رأفة ، حتى يسلِّموا رسول الله إليهم للقتل .. و علقوا هذا الكتاب في جوف الكعبة ...
 
و استمرت هذه المقاطعة ثلاث سنوات ، جهد فيها النبي و المسلمون جهداً شديداً و اشتد عليهم البلاء ، إلى أن بعث الله الأَرَضة ( نوع من القوارض ) على صحيفتهم الظالمة ، و سعى بعض رجال قريش في نقض الصحيفة و إنهاء هذا الحصار ... على نحو ما ذكرنا من قبل تفصيلاً .
 

الجهاد الاقتصادي..فريضة شرعية وضرورة عقائدية

 
إدِّعاء أول :
 
قد تسمع بعض المبطلين من محترفي الغزو الفكري يقولون : إن عصبية بني هاشم و بني المطلب كانت تكمن خلف دعوة محمد صلى الله عليه و سلم و كانت تحوطها بالرعاية و الحفظ .. و الدليل على ذلك موقفهم السلبي من مشركي قريش في مقاطعتهم للمسلمين ( أي أنهم انحازوا إلى رسول الله و كانوا معه في الحصار و لم يحالفوا مشركي قريش ) .
 
و إنها لمغالطة مكشوفة ؛ ذلك لأن من الطبيعي جداً أن تقود الحميَّة الجاهلية بني عبد المطلب و بني هاشم إلى الذود عن حياة بن عم لهم عندما تتهددها يد غريبة و يدنو منها بالسوء شخص دخيل . و الحمية الجاهلية إذ تدفع ذوي القرابة إلى مثل هذا التعصب لا تنظر إلى مبدأ و لا تتأثر بحق أو باطل .. إنما هي العصبية .. و لا شئ غير العصبية . فحمايتهم له لم تكن حماية للرسالة التي بُعِث بها ، و إنما كانت حماية لشخصه من الغريب .
 
و مع ذلك ، فأي فائدة حققوها للنبي صلى الله عليه و سلم من وراء اعتصامعهم معه ؟! لقد أوذوا كما أوذي هو و المسلمين .. و مضت قريش في مقاطعتها بضراوة و شراسة .
 

 
إدِّعاء ثاني :
 
ما الذي يجعل رسول الله و معه أصحابه المؤمنون يثبتون على هذا الضيق الخانق .. و أي غاية كانوا يأملونها من وراء هذا الثبات ؟
 
بماذا يجيب على هذا السؤال أولئك الذين يتأولون رسالة محمد صلى الله عليه و سلم و إيمان أصحابه بها على أنها ثورة يسار ضد يمين ، أي ثورة الفقراء المضطهدين ضد الأغنياء المترفين ؟
 
استعرض حلقات التعذيب و الإيذاء لرسول الله صلى الله عليه و سلم و المسلمين ثم أجب على ضوئها : كيف يستقيم أن تكون دعوة الإسلام ثورة اقتصادية ألهبها الجوع و قادها الحقد على تجار مكة و رجال الاقتصاد فيها ؟
 
قد يكون دليل هؤلاء الناس على ما يتصورون ملاحظة أمرين اثنين :
 
 
و أنت إذا تأملت في استدلالهم بهاتين الملاحظتين أدركت كم هو نصيب الخيال و الوهم من عقولهم و منهج تفكيرهم .
 
إن معظم من كان حول رسول الله صلى الله عليه و سلم كان مستيقناً أنه على حق و أنه نبي مرسل ، و لكن أرباب الزعامة و عشاق العظمة و السيطرة وجدوا من طبيعتهم و ظروفهم ما أصبح عائقاً لهم عن الاستسلام لها الحق و التفاعل معه .. أما الآخرون فلم يجدوا ما يعوقهم عن ذلك .
 
إذا كان المسلمون قد تمكنوا من فتحبلاد الروم و فارس في حقبة يسيرة من الزمن بعد أن صدقوا الله في إسلامهم ، أيكون ذلك دليلاً على أنهم ما أسلموا إلا طمعاً بعرش الروم و الفرس ؟!
 
لو أنهم أرادوا من وراء إسلامهم الوصول إلى شهوة من شهوات الدنيا أيَّاً كانت ، لَما تحقق لهم ولا الجزء اليسير من معجزة ذلك الفتح .
 
لو كان الحلم الذي يراود المسلمين في معركة القادسية ( فتح بلاد فارس ) هو الوصول إلى ثروة و التقلب في نعيم و تحقيق لذائذ العيش إذن لَما دخل الصحابيّ "رِبْعِيُّ بن عامر" رضي الله عنه سرادق رستم محتقراً مظاهر الترف التي انغمس فيها ، يتوكأ برمحه على البُسُط و النمارق الفاخرة حتى أفسدها ، و لَما قال لرستم ( ملك الفرس ) : "إن دخلتم الإسلام تركناكم و أرضكم و أموالكم" ... أهكذا يقول من جاء ليستلب المُلك و الأرض و المال ؟!! ..
 
المسألة بما فيها ليست إلا تحقيقاً للقانون الإلهي الذي يقول :
(( و نريد أن نَمُنَّ على الذين استُضعِفوا في الأرض و نجعلَهم أئمة و نجعلَهم الوارثين ))
 
و إن فهم هذا القانون لأيسر ما يكون على العقل .. أي عقل .. بشرط واحد : أن يكون صاحبه حراً من العبودية لأي رغبة أو غرض أو عصبية .
 

الاستعداد لمعركة القادسية (1)
 
البقية
الخرائط
 
من سلسلة : الفتوحات الإسلامية
وجدي غنيم