----- Original Message -----
From: Rania
Sent: Saturday, June 08, 2002 6:08 PM
Subject: مولد الهدى : دروس من السيرة ( 12 )

 
دار الإسلام
 
إن الدين و الاستمساك به و إقامة دعائمه أساس و مصدر لكل قوة ، و هو السياج الذي يحفظ كل حق من مال و أرض و حرية و كرامة .. و من أجل ذلك كان واجب الدعاة إلى الإسلام و المجاهدين في سبيله أن يجندوا كل امكاناتهم لحماية الدين و مبادئه ، و أن يجعلوا من الوطن و الأرض و المال و الحياة وسائل لحفظ العقيدة و ترسيخها ، حتى إذا اقتضى الأمر بذل كل ذلك في سبيلها وجب بذله ..
 
ذلك أن الدين إذا فُقِد أو غُلِب عليه لم يُغنِ من ورائه الوطن و المال و الأرض ، بل سرعان ما يذهب كل ذلك أيضاً من ورائه .. أما إذا قوي شأن الدين و قامت في المجتمع دعائمه و رسخت في الأفئدة عقيدته ، فإن كل ما كان قد ذهب في سبيله من مال و أرض و وطن يعود .. يعود أقوى من ذي قبل .. يحرسه سياج من الكرامة و القوة و البصيرة ..
 
و من أجل هذا شُرِع مبدأ الهجرة في الإسلام .. فأشار الرسول صلى الله عليه و سلم على أصحابه بالهجرة والخروج من الوطن إلى الحبشة ، بعد ما نالهم من أذى المشركين ما خشي عليهم معه الفتنة في الدين ، و هذه الهجرة نفسها هي ضرب من العذاب و الألم في سبيل الدين ، فهي في الحقيقة تبديل للمحنة ريثما يأتي الفرج و النصر .
 
و مكة لم تكن إذ ذاك دار إسلام حتى يقال : كيف ترك أولئك الصحابة دار الإسلام و فروا ابتغاء سلامة أرواحهم إلى بلاد كافرة ؟ .. فمكة و الحبشة و غيرهما كانت سواءًا حينئذ ، و أيها كانت أعون للصحابي على ممارسة دينه والدعوة إليه فهي أجدر بالإقامة فيها .
 
أما الهجرة من دار الإسلام فحكمها بين الوجوب و الجواز و الحرمة :
 
أما الوجوب : فيكون عند عدم تمكن المسلم من القيام بالشعائر الإسلامية فيها ، كالصلاة و الصيام و الأذان و الحج .
و أما الجواز : فيكون عندما يصيبه بلاء يضيق به ، فيجوز أن يخرج من دار الإسلام إلى دار إسلامية أخرى .
و أما الحرمة : فتكون عندما تستلزم هجرته إهمال واجب من الواجبات الإسلامية أو الواجبات التي لا يقوم بها غيره .
 
 
إن الدين عند الله الإسلام
 
نأخذ من موقف النجاشي ملك الحبشة عندما سمع القرآن من المسلمين المهاجرين إليه و علم منهم حقيقة الإسلام ، نأخذ من ذلك حقيقة العلاقة القائمة بين ما جاء به سيدنا محمد و سيدنا عيسى عليهما السلام . فقد كان النجاشي على دين المسيح عليه السلام ، و كان مخلصاً و صادقاً في نصرانيته ، و لقد كان مقتضى إخلاصه هذا أن لا يتحول عنها إلى ما يخالفها ، و أن لا يناصر من تختلف عقيدتهم عما جاء به الإنجيل و ما جاء به سيدنا عيسى عليه السلام .
 
فلو صحت تقولات أولئك الذين يزعمون انتماءهم إلى عيسى بن مريم و تمسكهم بالإنجيل من أن عيسى ابن الله تعالى و أنه ثالث ثلاثة لتمسك بذلك النجاشي الذي كان من أخلص الناس لنصرانيته ، و لرد على المسلمين كلامهم وانتصر لوفد قريش فيما جاؤوا من أجله .
 
و لكنا رأينا النجاشي يعلق على ما سمعه من القرآن و حكايته عن حياة عيسى بن مريم بقوله : "إن هذا و الذي جاء به عيسى بن مريم ليخرج من مشكاة واحدة" ... يقول ذلك على مسمع من بطارقة و علماء الكتاب الذين من حوله .
 
و هذا يؤكد الأمر البديهي من أن الأنبياء كلهم إنما جاؤوا بعقيدة واحدة لم يختلفوا حولها بعضهم عن بعض قيد شعرة ، و يؤكد لنا أن اختلاف أهل الكتاب فيما بينهم ليس إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً من عند أنفسهم كما قال الله تعالى