----- Original Message -----
From: Rania
Sent: Thursday, May 16, 2002 6:28 AM
Subject: مولد الهدى : مختصر السيرة ( 3 )

مرضعة الرسول

 حديث حليمة عما رأته من الخير بعد تسلمها له

صلى الله عليه وسلم

كانت عادة العرب أن يلتمسوا المراضع لأبنائهم حتى ينشأوا في البادية ؛ إبعاداً لهم عن أمراض الحضر ، لتقوى أجسامهم و تشتد أعصابهم ، و يتقنوا اللسان العربي في مهدهم .

كانت حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية ـ أم رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أرضعته ـ تُحدِّث أنها خرجت من بلدها مع زوجها ، وابنٍ لها صغير في سن الرضاع ، مع نسوة من بني سعد بن بكر ، تلتمس الرضعاء ( الأطفال في سن الرضاع ) ، وذلك في سنة شهباء ( مجدبة ) .

تقول : فخرجت على أتانٍ لي ( أنثى الحمار ) ، و معنا شارف لنا ، والله ما تبض بقطرة ( أي ليس بها قطرة لبن ) ، وما ننام ليلنا أجمع من صبينا الذي معنا ، من بكائه من الجوع . ولكنا كنا نرجو الغيث والفرج ، فخرجت على أتاني تلك فلقد أدمت بالركب (تأخرت عنه ) حتى شق ذلك عليهم ، حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء ، فما منا امرأة إلا وقد عُرِضَ عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه إذا قيل لها إنه يتيم ؛ وذلك أننا إنما كنا نرجو المعروف من أبي الصبي فكنا نقول : يتيم ! وما عسى أن تصنع أمه وجده .

فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعا ، غيري . فلما أجمعنا الانطلاق قلت لصاحبي ( أي لزوجي ) : والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي ولم آخذ رضيعا ، والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه قال : لا عليك أن تفعلي ، عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة . فذهبت إليه فأخذته ، وما حملني على أخذه إلا أني لم أجد غيره . فلما أخذته رجعت به إلى رَحْلي ، فلما وضعته في حجري جرى له اللبن فأرضعته بما شاء ، فشرب حتى روي وشرب معه أخوه حتى روي ثم ناما ، وما كنا ننام معه قبل ذلك ( من بكائه جوعاً ) . وقام زوجي إلى شارفنا تلك ، فإذا إنها لحافل ( ممتلئة باللبن ) ، فحلب منها ما شرب وشربت معه حتى انتهينا رِياً وشِبَعاً ، فبتنا بخير ليلة .قال صاحبي حين أصبحنا : تعلمي والله يا حليمة ، لقد أخذتِ نَسَمَة مباركة ، فقلت : والله إني لأرجو ذلك .

ثم خرجنا وركبت أنا أتاني ، وحملته عليها معي ، فوالله لقطعَت بالركب ( أي سبقتهم ) ، ما يقدر عليها شيء من حُمُرِهم ، حتى إن صواحبي ليقلن لي : يا ابنة أبي ذؤيب ، ويحكِ ، أربعي علينا ( أي تمهلي ) ، أليست هذه أتانك التي كنت خرجت عليها ؟! فأقول لهن : بلى والله إنها لهيَ هيَ فيقلن : والله إن لها لشأناً .

ثم قدمنا منازلنا من بلاد بني سعد ، و ما أعلم أرضاً من أرض الله أجدب منها ، فكانت غنمي تروح ( ترجع من الرعي ) ـ علي حين قدمنا به معنا ـ شباعا لبنا ، فنحلب ونشرب وما يحلب إنسان قطرة لبن ولا يجدها في ضرع حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم : ويلكم ، اسرحوا حيث يسرح راعي بنت أبي ذؤيب ، فتروح أغنامهم جياعا ما تبض بقطرة لبن وتروح غنمي شباعا لبنا . فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلته ( فطمته بعد عامي الرضاع ) . 

وكان يشب شبابا لا يشبه الغلمان ، فلم يبلغ سنتين حتى كان غلاما جفرا ( أي كبيراً ممتلأً ) ، فقدمنا به على أمه ونحن أحرص شيء على مكثه فينا ؛ لِمَا كنا نرى من بركته . فكلمنا أمه وقلت لها : لو تركت بُنَيَّ عندي حتى يغلظ ( يشتد ) ، فإني أخشى عليه وباء مكة ، فلم نزل بها حتى ردته معنا .

 

 حديث الملكين اللذين شقا بطنه صلى الله عليه وسلم

قالت : فرجعنا به ، فوالله إنه بعد مقدمنا به بأشهر مع أخيه في بهمٍ لنا ( مكان لتجفيف الحبوب ) خلف بيوتنا ، إذ أتانا أخوه يشتد في سيره ، فقال لي ولأبيه : ذاك أخي القرشي ، قد أخذه رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاه فشقا بطنه فهما يسوطانه ( يضربانه ) . فخرجت أنا وأبوه نحوه فوجدناه قائما منتقعا وجهه ، فالتزمته والتزمه أبوه فقلنا له : ما لكَ يا بُنَيّ ؟! ، قال : جاءني رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاني وشقا بطني ، فالتمسا فيه شيئا لا أدري ما هو . فرجعنا به إلى خبائنا ( بيتنا ) .

 رجوع حليمة به صلى الله عليه وسلم إلى أمه

قالت : وقال لي أبوه : يا حليمة ، لقد خشيت أن يكون هذا الغلام قد أصيب ، فألحِقِيه بأهله قبل أن يظهر ذلك به . فاحتملناه فقدمنا به على أمه ، 

فقالت : ما أقدمك به يا ظِئْر ( المرأة المرضع لغير ولدها ) وقد كنتِ حريصة عليه وعلى مكثه عندك ؟!

فقلت : قد بلغ الله بابني ( أي كبر سنه ) ، و قضيت الذي عليَّ ، و تخوفت الأحداث عليه ، فأديته إليكِ كما تحبين .

قالت : ما هذا شأنك ، فاصْدُقيني خبرك . فلم تدعني حتى أخبرتها .

قالت : أفتخوفت عليه الشيطان ؟

قلت : نعم 

قالت : كلا ، والله ما للشيطان عليه من سبيل ، وإن لبُنَيّ لشأنا ، أفلا أخبرك خبره ؟ 

قلت : بلى 

قالت : رأيت حين حملت به أنه خرج مني نور أضاء لي قصور بصرى من أرض الشام ، ثم حملت به فوالله ما رأيت من حملٍ قط كان أخف ولا أيسر منه ، و وقع حين ولدته وإنه لواضعٌ يديه بالأرض ، رافعٌ رأسه إلى السماء .. دَعِيهِ عنكِ وانطلقي راشدة .