----- Original Message -----
From: Rania
Sent: Friday, May 17, 2002 10:11 AM
Subject: مولد الهدى : مختصر السيرة ( 4 )

 وفاة آمنة وحال رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جده عبد المطلب بعدها

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمه آمنة بنت وهب وجده عبد المطلب بن هاشم في كلاءة الله وحفظه ينبته الله نباتا حسنا ؛ لِما يريد به من كرامته ، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ست سنين توفيت أمه آمنة بنت وهب بالأبواء بين مكة والمدينة ، كانت قد قدمت به على أخواله من بني عديّ بن النجار  ليزورهم ، فماتت وهي راجعة به إلى مكة .

إكرام عبد المطلب له صلى الله عليه وسلم وهو صغير

فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جده عبد المطلب بن هاشم ، وكان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة ، فكان بنوه يجلسون حول فراشه ذلك حتى يخرج إليه فلا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالا له . فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي وهو غلام فيجلس عليه فيأخذه أعمامه ليؤخروه عنه فيقول عبد المطلب إذا رأى ذلك منهم : دعوا ابني ، فوالله إن له لشأنا ، ثم يجلسه معه على الفراش ويمسح ظهره بيده ويسُرُّه ما يراه يصنع .

فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثماني سنين مات عبد المطلب بن هاشم ، وذلك بعد عام الفيل بثماني سنين .

 
كفالة أبي طالب لرسول الله صلى الله عليه وسلم

فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد عبد المطلب مع عمه أبي طالب ، وكان عبد المطلب يوصي به عمه أبا طالب وذلك لأن عبد الله أبا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا طالب أخوان لأب وأم ، أمهما فاطمة بنت عمرو ... بن مخزوم

نبوءة رجل من لهب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

و كان رجل من قبيلة لهب معروفاً بفراسته ، فكان إذا قدم مكة أتاه رجال قريش بغلمانهم ينظر إليهم ويخبرهم خبرهم . فذهب إليه أبو طالب برسول الله وهو غلام ، فنظر الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم شغله عنه شيء ،  فلما فرغ قال : عليّ به ( أي أحضروه إليَّ ) ، فلما رأى أبو طالب حرصه عليه غيَّبه عنه ، فجعل يقول : ويلكم ردوا علي الغلام الذي رأيت آنِفا ، فوالله ليكونن له شأن ، فانطلق به أبو طالب .

 قصة بحيرى الراهب 

ثم إن أبا طالب خرج في ركب تاجرا إلى الشام ، فلما تهيأ للرحيل وأجمع المسير تعلق به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرقَّ له أبو طالب وقال : والله لأخرجن به معي ، ولا يفارقني ، ولا أفارقه أبدا . فخرج به معه ، فلما نزل الركب بصرى من أرض الشام ، وبها راهب يقال له بحيرى في صومعةٍ له ، وكان إليه علم أهل النصرانية ، ولم يزل في تلك الصومعة منذ زمن راهباً ، إليه يصير علمهم عن كتبٍ فيها ما يتوارثونه كابرا عن كابر .

فلما نزلوا ذلك العام ببحيرى ، وكانوا كثيرا ما يمرون به قبل ذلك فلا يكلمهم ولا يعرض لهم حتى كان ذلك العام . فلما نزلوا به قريبا من صومعته صنع لهم طعاما كثيرا ، وذلك عن شيء رآه وهو في صومعته ، حيث أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في صومعته في الركب حين أقبلوا ، وغمامة تظله من بين القوم . ثم أقبلوا فنزلوا في ظل شجرة قريبا منه ، فنظر إلى الغمامة حين أظلت الشجرة ، وتهصرت ( أي مالت ) أغصان الشجرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استظل تحتها .

فلما رأى ذلك بحيرى نزل من صومعته ثم أرسل إليهم فقال : إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش ، فأنا أحب أن تحضروا كلكم صغيركم وكبيركم وعبدكم وحُرَّكم

فقال له رجل منهم : والله يا بحيرى إن لك لشأنا اليوم ، فما كنت تصنع هذا بنا ، وقد كنا نمر بك كثيرا ، فما شأنك اليوم ؟!

قال له بحيرى : صدقت قد كان ما تقول ، و لكنكم ضيف وقد أحببت أن أكرمكم وأصنع لكم طعاما فتأكلوا منه كلكم .

فاجتمعوا إليه ، و تخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين القوم لحداثة سِنِّه ( أي لصغر سِنِّه ) ، فبقي في رحال القوم تحت الشجرة .

فلما نظر بحيرى في القوم لم ير الصفة التي يعرف ويجد عنده في كتب النصرانية ، فقال : يا معشر قريش ، لا يتخلفن أحد منكم عن طعامي 

قالوا له : يا بحيرى ، ما تخلف عنك أحد ينبغي له أن يأتيك إلا غلام وهو أحدث القوم سنا ، فتخلف في رحالنا

فقال : لا تفعلوا ، ادعوه فليحضر هذا الطعام معكم 

فقال رجل من قريش : واللاتِ والعزى ( صنمان من أصنامهم ) ، إن كان للؤم بنا أن يتخلف ابن عبد الله بن عبد المطلب عن طعام من بيننا ، ثم قام إليه فاحتضنه وأجلسه مع القوم .

فلما رآه بحيرى جعل يلحظه لحظا شديدا وينظر إلى أشياء من جسده قد كان يجدها عندهم من صفته ، حتى إذا فرغ القوم من طعامهم وتفرقوا ، قام إليه بحيرى ، فقال له : يا غلام ، أسألك بحق اللاتِ والعزى إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه ، وإنما قال له بحيرى ذلك لأنه سمع قومه يحلفون بهما .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  له : لا تسألني باللاتِ والعزى ، فوالله ما أبغضت شيئا قط بغضهما 

فقال له بحيرى : فبالله إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه 

فقال له : سلني عما بدا لك .

فجعل يسأله عن أشياء من حاله في نومه وهيئته وأموره فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره فيوافق ذلك ما عند بحيرى من صفته في كتبهم ، ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التي عندهم .

فلما فرغ أقبل على عمه أبي طالب فقال له : ما هذا الغلام منك ؟

قال : ابني .

قال له بحيرى : ما هو بابنك ، وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا 

قال : فإنه ابن أخي 

قال : فما فعل أبوه ؟

قال : مات وأمه حبلى به 

قال : صدقت ، فارجع بابن أخيك إلى بلده واحذر عليه يهود فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغنَّه شرا ، فإنه كائنٌ لابن أخيك هذا شأن عظيم ، فأسرع به إلى بلاده .

رجوع أبي طالب برسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان من زرير وصاحبيه 

فخرج به عمه أبو طالب سريعا حتى أقدمه مكة حين فرغ من تجارته بالشام ، فحدث أن "زرير" و "تمَّام"  و "دريس" ، وهم نفر من أهل الكتاب ، قد كانوا رأوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما رآه بحيرى في ذلك السفر الذي كان فيه مع عمه أبي طالب ، فأرادوه ، فردَّهم عنه بحيرى ، وذكَّرهم الله وما يجدون في الكتاب من ذكره وصفته وأنهم إن أجمعوا لِما أرادوا به لم يخلصوا إليه ( أي أن الله حائلٌ بينهم و بين ذلك ) ، ولم يزل بهم حتى عرفوا ما قال لهم وصدقوه بما قال فتركوه وانصرفوا عنه .

فشب رسول الله صلى الله عليه وسلم والله تعالى يكلؤه ويحفظه ويحوطه من أقذار الجاهلية ؛ لِما يريد به من كرامته ورسالته ، حتى بلغ أن كان رجلا ، وأفضل قومه مروءة وأحسنهم خلقا ، وأكرمهم حسبا ، وأحسنهم جوارا ، وأعظمهم حِلما ، وأصدقهم حديثا ، وأعظمهم أمانة وأبعدهم عن الفحش والأخلاق التي تدنس الرجال ؛ تنزها وتكرما ، حتى ما اسمه في قومه إلا الصادق الأمين ؛ لِما جمع الله فيه من الأمور الصالحة .