----- Original Message -----
From: Rania
Sent: Saturday, May 18, 2002 4:36 PM
Subject: مولد الهدى : مختصر السيرة ( 5 )

خروجه صلى الله عليه و سلم إلى الشام وزواجه خديجة

فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين سنة خرج إلى الشام في تجارة لخديجة رضي الله عنها ، ومعه "ميسرة" غلامها . ثم رجع فتزوج عقب رجوعه خديجة بنت خويلد ، وهي أول امرأة تزوجها ، وأول امرأة ماتت من نسائه ، ولم ينكح عليها غيرها طول حياتها . وأمره جبريل " أن يقرأ عليها السلام من ربها ويبشرها ببيت في الجنة من قصب ( أي من ذهب ) " . و قد كانت له نعم الزوجة و المعينة على طريق الدعوة و تبليغ الرسالة ، و قد كان وفياً لها بعد مماتها ، و كان دائم الذكر لفضلها ، إذ كان يقول : " لا و الله ما أبدلني الله خيراً منها : آمنت إذ كفر الناس ، و صدَّقتني إذ كذَّبني الناس ، و واستني بمالها إذ حرمني الناس ، و رزقني الله منها الولد دون غيرها من النساء " . رضي الله عنها و جمعنا بها في أعلى عليين .

و كل أولاده صلى الله عليه و سلم منها سوى إبراهيم . ولدت له أولاً القاسم ـ و به كان يُكنَّى " أبا القاسم " ، ثم زينب ، و رقية ، و أم كلثوم ، و فاطمة ، و عبد الله ، و كان عبد الله يلقَّب بالطيِّب و الطاهر . و مات بنوه كلهم في صغرهم ، أما البنات فكلكهن أدركن الإسلام فأسلمن و هاجرن ، إلا أنهن أدركتهن الوفاة في حياته صلى الله عليه و سلم ، سوى فاطمة الزهراء رضي الله عنها ، فقد تأخرت بعده ستة أشهر ثم لحقت به .

تحنثه ( تعبُّده ) في غار حراء

ثم حُبِّب إليه الخلاء و التعبد لربه ، فكان يخلو بغار حراء يتعبد فيه . وبُغِّضت إليه الأوثان ودين قومه ، فلم يكن شيء أبغض إليه من ذلك . وأنبته الله نباتا حسنا ، حتى كان أفضل قومه مروءة وأحسنهم خلقا ، وأعزهم جوارا ، وأعظمهم حلما ، وأصدقهم حديثا ، وأحفظهم للأمانة ، حتى سماه قومه " الصادق الأمين " ؛ لِمَا جمع الله فيه من الأحوال الصالحة  والخصال الكريمة .

بناء الكعبة

ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وثلاثين سنة قامت قريش في بناء الكعبة حين تضعضعت و أوهنت السيول بناءها .

قال أهل السِيَر ( أي علماء السيرة ) : كان أمر البيت بعد إسماعيل عليه السلام إلى ولده ، ثم غلبت قبيلة جرهم عليه ، فلم يزل في أيديهم حتى استحلوا حرمته و أكلوا ما يُهدى إليه و ظلموا من دخل مكة  ، ثم وليت خزاعة البيت بعدهم .

فلما أجمعوا أمرهم في هدمها وبنائها قام " أبو وهب بن عمرو بن عائذ المخزومي " فتناول من الكعبة حجرا ، فوثب من يده حتى رجع إلى موضعه ، فقال : يا معشر قريش ، لا تُدْخِلوا في بنيانها من كسبكم إلا طيِّبا ، لا يدخل فيها مهر بَغِيّ ولا بيع ربا و لا مظلمة أحد من الناس .

ثم إن قريشا تجزأت الكعبة بينهم ، فكان شِق الباب لِبَني عبد مناف و زهرة ، وما بين الركن الأسود واليماني لِبَني مخزوم و قبائل من قريش انضافت إليهم ، وكان ظهر الكعبة لِبَني جمح وبني سهم ، وكان شق الحِجْر ( حِجْر إسماعيل ) ، وهو الحطيم  ، لِبَني عبد الدار و لِبَني أسد بن عبد العزى و لِبَني عديّ .

ثم إن الناس هابوا هدمها ، فقال " الوليد بن المغيرة " : أنا أبدؤكم في هدمها ، فأخذ المعول ثم قام عليها وهو يقول : اللهم لم نزغ ( أي لم نضل ) ، اللهم إنا لا نريد إلا الخير ، ثم هدم من ناحية الركنين ( الركن الأسود و اليماني ) . فتربص الناس تلك الليلة ، وقالوا : إن أصيب لم نهدم منها شيئا ورددناها كما كانت ، و إلا فقد رضي الله ما صنعنا . فأصبح الوليد من ليلته معافى غاديا على عمله ، فهدم وهدم الناس معه .

حتى إذا انتهى الهدم بهم إلى الأساس - أساس إبراهيم عليه السلام - وصلوا إلى حجارة خضر كالأسنة أخذ بعضها بعضا ( أي يدخل بعضها في بعض ) . فأدخل بعضهم عتلة بين حجرين منها ليقلع أحدهما ، فلمَّا تحرك الحجر انتفضت مكة بأسرها ، فانتهوا عند ذلك الأساس .

ثم إن القبائل من قريش جمعت الحجارة لبنائها ، كل قبيلة تجمع على حدة ، ثم بنوها حتى بلغ البنيان موضع الحجر الأسود  ، فاختصموا فيه ، كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه ، فتحاوروا وتخالفوا وأعدوا للقتال ، فقرَّبت بنو عبد الدار جفنة مملوءة دما ، تعاهدوا - هم وبنو عدي بن كعب - على الموت وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم ( تأكيداً للعهد ) ، فمكثت قريش على ذلك أربع ليال أو خمسا .

ثم إنهم اجتمعوا في المسجد الحرام فتشاوروا وتناصفوا . و يروى أن أبا أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم المخزومي - وكان يومئذ أسنّ قريش كلهم ( أكبرهم سنّاً ) - قال : اجعلوا بينكم أول من يدخل من باب المسجد ، ففعلوا ، فكان أول من دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما رأوه قالوا : " هذا الأمين رضينا به ، هذا محمد " . فلما انتهى إليهم أخبروه الخبر ، فقال صلى الله عليه وسلم : هلُمَّ إليَّ ثوبا ( أي أحضروا إليّ ثوباً ) ، فأحضروه إليه ، فأخذ الركن فوضعه فيه بيده . ثم قال : لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ، ثم ارفعوا جميعا ،  ففعلوا ، حتى إذا بلغوا به موضعه وضعه هو بيده صلى الله عليه وسلم ثم بنى عليه  .

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل معهم الحجارة ، وكانوا يرفعون أزرهم ( جمع إزار ) على عواتقهم ، ففعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاح على وجهه و نودِيَ " استر عورتك " ، فما رُئِيَت له عورة بعد ذلك .

فلما بلغوا بالبيت خمسة عشر ذراعا سقفوه على ستة أعمدة . وأخرجت قريش الحِجْر ( حِجْر إسماعيل ) لقلة نفقتهم ( إذ كانوا أرادوا ألا يبنوا البيت إلا من نفقة حلال ، و كان ما يثقون بحِلِّه قليلاً لا يكفي لتوسعة البناء و إدخال الحِجْر فيه ) ، ورفعوا بابها عن الأرض لِئَلا يدخلها إلا من أرادوا ، وكانوا إذا أرادوا أن لا يدخلها أحد لا يريدون دخوله تركوه حتى يبلغ الباب ثم يرمونه .

فلما بلغ صلى الله عليه وسلم أربعين سنة بعثه الله بشيرا ونذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا