----- Original Message -----
From: Rania
Sent: Sunday, May 19, 2002 2:21 PM
Subject: مولد الهدى : مختصر السيرة ( 6 )

بَدْءُ الوحي

 أول ما بُدِئَ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ( أي في الوضوح ) . ثم حُبِّب إليه الخلاء ، فكان يخلو بغار حراء ، فيتحنث فيه -  يتعبد - الليالي ذوات العدد ( أي ليالي عديدة ) قبل أن ينزع إلى أهله ، و كان يتزود لذلك ( أي بالزاد من طعام و شراب ) . ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها ، حتى أتاه الحق ، وهو في غار حراء ، فجاءه المَلَك ( جبريل عليه السلام ) ، فقال : اقرأ

قال صلى الله عليه و سلم : فقلت : ما أنا بقارئ 

 فأخذني فغطَّني ( أي ضمَّني بشدة )، حتى بلغ مني الجَهْد ، ثم أرسلني . فقال : اقرأ

فقلت : ما أنا بقارئ 

فأخذني فغطَّني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني . فقال : اقرأ 

فقلت : ما أنا بقارئ 

فأخذني فغطَّني الثالثة ، تم أرسلني ، فقال لي في الثالثة :  (( اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم  .... )) .

فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده ، حتى دخل على خديجة بنت خويلد ، فقال : زمِّلوني ، زمِّلوني ( أي غطوني ؛ إذ كان صلى الله عليه و سلم حينئذ يرتجف بشدة ، و من هنا سُمِّي " المُزَّمِّل" ) ، فزملوه حتى ذهب عنه الروع . فأخبر خديجة رضي الله عنها بما حدث و قال : لقد خشيت على نفسي . فقالت خديجة : كلا والله ما يخزيك الله أبدا ؛ إنك لتصل الرحم ، و تحمل الكلَّ ( من لا ولد له و لا والد ) ، و تقري الضيف ، و تكسب المعدوم ( الفقير ) ، و تعين على نوائب الحق .

فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى - ابن عم خديجة - وكان قد تنصَّر في الجاهلية ( أي اعتنق النصرانية ) ، و كان يكتب الكتاب العبراني ( أي يعرف اللغة العبرية ) ، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب ، و كان شيخا كبيرا قد عمِيَ .

فقالت له خديجة : يا ابن عم ، اسمع من ابن أخيك .

فقال له ورقة : يا ابن أخي ، ماذا ترى ؟

فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى . فقال له ورقة : هذا الناموس ( جبريل عليه السلام ) الذي أنزل الله على موسى ، يا ليتني فيها جَذَعا ( أي يا ليتني كنت شاباً ) ، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك  .

قال : أوَمُخْرِجِيَّ  هم ؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍؟‍‍ ‍‍‍‍‍‍‍‍‍

قال : نعم ، لم يأتِ رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودِيَ ،  وإن يدركني يومك أنصرْك نصرا مؤزَّرا 

فلم يلبث ورقة أن توفي ، وفي جامع الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم رآه في المنام في هيئة حسنة .

وفتر الوحي ( توقف فترة ) حتى حزِن رسول الله صلى الله عليه وسلم حزنا شديدا ، حتى كان يذهب إلى رءوس شواهق الجبال يريد أن يلقي بنفسه منها ، كلما أوفى بذروة جبل تبدَّى له جبريل عليه السلام ، فقال : " يا محمد ، إنك رسول الله حقا " فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه فيرجع ، فإذا طال عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك ، فإذا أوفى بذروة تبدَّى له جبريل فيقول له ذلك .

فبينما هو يوما يمشي إذ سمع صوتا من السماء ، قال : " فرفعت بصري ، فإذا المَلَك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض ، فرعبت منه فرجعت إلى أهلي ، فقلت : دثِّروني ، دثِّروني . فأنزل الله: ((  يا أيها المدثر *  قم فأنذر )) ،  فحَمِيَ الوحي وتتابع "

 

أول من آمن

ولما دعا إلى الله استجاب له عباد من كل قبيلة ، فكان حائز السبق صدِّيق الأمَّة ، أبا بكر رضي الله عنه ، فوازره في دين الله ، ودعا معه إلى الله ، فاستجاب لأبي بكر عثمان ( بن عفَّان ) ، و طلحة ( بن عُبَيْد الله ) ، و سعد ( بن أبي وقَّاص ) رضي الله عنهم .

وبادر إلى استجابته أيضا صدِّيقة النساء ، خديجة رضي الله عنها . وبادر إلى الإسلام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وكان ابن ثمان سنين وقيل أكثر ، إذ كان في كفالة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أخذه من عمه أبي طالب يكفله عنه ؛ لكثرة عيال أبي طالب .

 

شأن زيد بن حارثة

وبادر إلى الإسلام أيضاً زيد بن حارثة رضي الله عنه ، حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم . و كان غلاما لخديجة ، فوهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم لَمَّا تزوجها . وقدم أبوه حارثة وعمه في فدائه ( أي يدفعون فداءه عتقاً له من العبودية ) . فقالا للنبي صلى الله عليه وسلم : يا ابن سيد قومه ، أنتم أهل حرم الله وجيرانه ، تفكون العاني ـ الأسير ـ وتطعمون الأسير . جئناك في ابننا عبدك ، فأحسن لنا في فدائه .

فقال صلى الله عليه وسلم : فهل غير ذلك ؟

قالوا : وما هو ؟

قال : أَدعوه فأخَيِّره ، فإن اختاركم فهو لكم ، وإن اختارني فوالله ما أنا بالذي أختار على من اختارني .

قالوا : قد زدتنا على النصف وأحسنت .

فدعاه ، فقال : هل تعرف هؤلاء ؟ 

قال : نعم ، أبي وعمي .

قال : فأنا من قد علِمْتَ ، و قد رأيتَ صُحْبَتي لك ، فاخترني أو اخترهما 

فقال : ما أنا بالذي أختار عليك أحدا ، أنت مكان أبي وعمي .

فقالا : ويحك يا زيد ، أتختار العبودية على الحرية ‍وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك ؟‍‍‍‍‍‍‍

قال : نعم ، قد رأيت من هذا الرجل شيئا ، ما أنا بالذي أختار عليه أحدا أبدا .

فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك خرج إلى الحِجْر ( حِجْر إسماعيل ) ، فقال : أشهد أن زيدا ابني ، أرثه ويرثني 

فلما رأى ذلك أبوه وعمه طابت نفوسهما ، فانصرفا . و دُعِيَ " زيد بن محمد " ، حتى جاء حكم الله فنزلت  (( ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله  ))  .

حال المسلمين الأوائل

ودخل الناس في دين الله واحدا بعد واحد و قريش لا تنكر ذلك ، حتى بادأهم بعيب دينهم وإنكاره و تحقير آلهتهم وأنها لا تضر ولا تنفع ، فحينئذ شمَّروا له ولأصحابه عن ساق العداوة ، فحمى الله رسوله بعمه أبي طالب ؛ لأنه كان شريفا معظما ( ذو مكانة و هيبة في قومه ) ، لكنه لم يؤمن ، وكان من حكمة أحكم الحاكمين بقاؤه على دين قومه لِمَا في ذلك من المصالح التي تبدو لمن تأملها ( نتحدث عنها فيما بعد إن شاء الله ) .

وأما أصحابه صلى الله عليه و سلم ، فمن كان له عشيرة تحميه امتنع بعشيرته ، و من ليس له تصدوا له بالأذى والعذاب ، منهم عمَّار بن ياسر ، وأمه سُميَّة ، و أهل بيته ، عُذِّبوا في الله . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر بهم - وهم يعذبون - يقول : صبرا يا آل ياسر ، فإن موعدكم الجنة .

سمية أول شهيدة

ومر أبو جهل بسمية - أم عمار رضي الله عنهما - وهي تُعَذَّب و زوجها و ابنها ، فطعنها بحربة في فرجها فقتلها .

وكان الصدِّيق إذا مر بأحد من العبيد يُعَذَّب اشتراه وأعتقه ، منهم بلال بن رباح ، فإنه عذب في الله أشد العذاب ، وكان بلال كلما اشتد به العذاب يقول : أحد ، أحد  . ومنهم أيضاً عامر بن فهيرة ( و قد اشتراه أبو بكر و عمل لديه راعياً لغنمه ، و كان له من الدور العظيم في الهجرة النبوية الشريفة بعد ذلك ) ، وجارية لبني عدي كان عمر بن الخطاب ـ و لم يكن قد أسلم بعد ـ  يعذبها على الإسلام .