----- Original Message -----
From: Rania
Sent: Monday, May 20, 2002 9:04 AM
Subject: مولد الهدى : مختصر السيرة ( 7 )

ابتداء الدعوة جهراً 

دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الله مستخفيا ثلاث سنين ، ثم نزل عليه قوله تعالى : (( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين  )) ، فأعلن ( أي جهر بالدعوة ) في السنة الرابعة من البعثة ، فدعا الناس عشر سنين ( قبل الهجرة ) يوافي المواسم كل عام ، يتبع الناس في منازلهم و في المواسم بعكاظ و مجنة  و ذي المجاز ، يدعوهم أن يمنعوه ( أي يحموه ) حتى يبلغ رسالات ربه و لهم الجنة ، فلا يجد أحدا ينصره ويحميه . حتى ليسأل عن القبائل ومنازلها قبيلة قبيلة فيقول : أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا وتملكوا بها العرب وتدين لكم بها العجم ، فإذا متم كنتم ملوكا في الجنة ، و عمه أبو لهب وراءه كمحطة تشويش متنقلة يقول : لا تطيعوه فإنه صابئ كذاب ، فيردون على رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبح الرد ، ويؤذونه ويقولون : عشيرتك أعلم بك حيث لم يتبعوك . وهو يقول : اللهم لو شئت لم يكونوا هكذا .

ولمَّا نزل عليه قوله تعالى: (( وأنذر عشيرتك الأقربين  )) صعد جبل الصفا فنادى : واصباحاه ، فلما اجتمعوا إليه قال : لو أخبرتكم أن خيلا تريد أن تخرج عليكم من سفح هذا الجبل أكنتم مصدقيّ ؟

قالوا : نعم ، ما جرَّبنا عليك كذبا .

قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد

فقال أبو لهب : تبَّاً لك ، ما جمعتنا إلا لهذا ؟ فأنزل الله قوله تعالى ((  تبت يدا أبي لهب وتب * ما أغنى عنه ماله وما كسب  .... ))

أول من ضَرَب بالسيف

و حدث في تلك السنة ( السنة الرابعة للبعثة ) أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يجتمعون في الشعاب فيصلون فيها ( خفيةً عن أعين قريش ) ، فرآهم رجل من الكفار ومعه جماعة من قريش ، فسبوهم ، فضرب سعد بن أبي وقاص رجلا منهم فسال دمه فكان أول دم أهريق في الإسلام ، و كان سعد بن أبي وقاص أول من ضرب بسيف في الإسلام .

إيذاء المشركين

ثم إنهم عدَوْا على من أسلم واتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه ، فوثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين فجعلوا يحبسون من استضعفوا منهم ويعذبونهم بالضرب والجوع والعطش و برمضاء مكة إذا اشتد الحر ،  يفتنونهم عن دينهم ، فمنهم من يفتن من شدة البلاء الذي يصيبه ومنهم من يصمد لهم ويعصمه الله منهم .

وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جلس وحوله المستضعفون من أصحابه - مثل عمار بن ياسر ، وخَبَّاب بن الأرَتَّ ، وصهيب الرومي ، وبلال وأشباههم - فإذا مرت بهم قريش استهزءوا بهم وقالوا : أهؤلاء ( أي جلساؤه ) قد منَّ الله عليهم من بيننا ؟ ( أي لو كان هذا هو الحق ، فهل يمنُّ الله بالهداية على أمثال هؤلاء الضعفاء دوننا ) ، فأنزل الله: ((  أليس الله بأعلم بالشاكرين  )) .

وقال أبو جهل : والله لئن رأيت محمدا يصلي لأطأنَّ على رقبته ، فبلغه أن رسول الله يصلي ، فأتاه فقال : ألم أنهَكَ عن الصلاة ؟ ، فانتهره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : أتنتهرني ، وأنا أعز أهل البطحاء  ، فوالله ما في مكة أعز مني نادياً ( القوم و العشيرة ) ، فنزل قوله تعالى : (( أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى  ))  .

و قد أتى أبو جهل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي مرة وزعم ليطأنَّ رقبته ، فما فجأ القوم إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه و يقول : بيني وبينه خندق من نار وهول وأجنحة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا . فأنزل الله تعالى ((  كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى  ))

 

حدب أبي طالب على رسول الله

و مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما هو عليه يظهر دين الله ويدعو إليه ، ثم شرى الأمر بينه وبينهم حتى تباعد الرجال وتضاغنوا ( أي ظهرت العداوات بين أهل الكفر و أهل الإيمان ) ، وأكثرت قريش ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بينها ، فتذامروا فيه وحض بعضهم بعضا عليه ، ثم إنهم مشوا إلى أبي طالب ، فقالوا له : يا أبا طالب إن لك سنَّا وشرفا ومنزلة فينا ، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك ( طلبنا منك نهيه عما يفعل ) فلم تنهه عنا ، وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا ، وتسفيه أحلامنا ، وعيب آلهتنا ، حتى تكفه عنا ، أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين ، ثم انصرفوا عنه ، فعظم على أبي طالب فراق قومه وعداوتهم ولم يطب نفسا بتسليم رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ولا خذلانه .
 
و بعث أبو طالب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : يا ابن أخي ، إن قومك قد جاءوني ، فقالوا لي كذا وكذا ، فأبقِ عليّ وعلى نفسك ، ولا تُحَمِّلني من الأمر ما لا أطيق ، فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد بدا لعمه فيه بداء و أنه خاذله ومسلمه وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عم ، والله لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته ، ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى ثم قام ، فلمَّا ولَّى ناداه أبو طالب فقال : أقبل يا ابن أخي ، فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : اذهب يا ابن أخي ، فقل ما أحببت ، فوالله لا أسلِمُك لشيء أبدا .
 
ثم إن قريشا حين عرفوا أن أبا طالب قد أبى خذلان رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسلامه لهم ، و إجماعه لفراقهم في ذلك وعداوتهم ، مشوا إليه بعمارة بن الوليد بن المغيرة ، فقالوا له : يا أبا طالب ، هذا عمارة بن الوليد أنهد ( أشد ) فتى في قريش وأجمله ، فخذه ، لك عقله ونصره واتخذه ولدا فهو لك ، وأسلم إلينا ابن أخيك هذا ، الذي قد خالف دينك ودين آبائك ، وفرق جماعة قومك ، وسفه أحلامهم فنقتله ، فإنما هو رجل برجل
 
فقال : والله لبئس ما تسومونني ؛ أتعطونني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه !! هذا والله ما لا يكون أبدا .
 
فقال المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي : والله يا أبا طالب لقد أنصفك قومك ، وجهدوا على التخلص مما تكرهه فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئا 
 
فقال أبو طالب للمطعم : و الله ما أنصفوني ، ولكنك قد أجمعت خذلاني ومظاهرة القوم عليّ ، فاصنع ما بدا لك .
 
فحقب الأمر وحميت الحرب وتنابذ القوم وبادى بعضهم بعضا .