----- Original Message -----
From: Rania
Sent: Tuesday, May 21, 2002 6:33 PM
Subject: مولد الهدى : مختصر السيرة ( 9 )

الهجرة الأولى إلى الحبشة

و في السنة الخامسة أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالهجرة إلى الحبشة  ؛ لما اشتد عليهم العذاب والأذى ، و قال : إن فيها رجلا لا يظلم الناس عنده ( يقصد النجاشي ملك الحبشة ) . 

وكانت الحبشة متجر قريش ، وكان أهل هذه الهجرة الأولى اثني عشر رجلا وأربع نسوة ، وكان أول من هاجر إليها عثمان بن عفان رضي الله عنه و معه زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وممن خرج : الزبير بن العوام ، و عبد الرحمن بن عوف ، و عبد الله بن مسعود ، و أبو سَلَمة وامرأته أم سَلَمة رضي الله عنهم ، خرجوا متسللين سرا ، فوفَّق الله لهم ساعة وصولهم إلى الساحل سفينتين للتجار فحملوهم إلى الحبشة . وخرجت قريش في آثارهم حتى جاءوا البحر فلم يدركوا منهم أحدا . وكان خروجهم في رجب ، فأقاموا بالحبشة شعبان ورمضان ، ثم رجعوا إلى مكة في شوال لما بلغهم ( كَذِباً ) أن قريشا صافوا رسول الله صلى الله عليه و سلم و كفوا عنه .

الهجرة الثانية إلى الحبشة

فلما اقترب من مكة  مهاجرة الحبشة  العائدين ، وبلغهم حقيقة أمرهم و كذِب ما قد بلغهم ، توقفوا عن الدخول ، و رجع منهم من رجع إلى الحبشة ، و لم يدخل أحد منهم مكة إلا مستخفياً أو في جوار ( في حماية ) رجل من قريش .

ثم اشتد عليهم البلاء والعذاب من قريش وسطت بهم عشائرهم ، فقد كان صَعُب على قريش ما بلغهم عن النجاشي من حسن جواره ، فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى الحبشة مرة ثانية ، فخرجوا . و كانت هذه الهجرة الثانية أشق من سابقتها ، فقد تيقظت لها قريش و قررت إحباطها ، بيْد أن المسلمين كانوا أسرع و يسَّر الله لهم السفر . 

وكان عدة من خرج في المرة الثانية ثلاثة وثمانين رجلا - إن كان فيهم عمار بن ياسر - ومن النساء تسعة عشر امرأة . فلما سمعوا بمهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة  بعد ذلك رجع منهم ثلاثة وثلاثون رجلا ، ومن النساء ثمان ، ومات منهم رجلان بمكة  ، و مُنِع من الهجرة سبعة ( حال قومهم بينهم و بين الهجرة ) .

بعث قريش إلى النجاشي تطلب إرجاع المسلمين

اجتمعت قريش في دار الندوة ( برلمان قريش ) ، وقالوا : إن لنا في الذين عند النجاشي ثأرا ، فاجمعوا مالا واهدوه إلى النجاشي ، لعله يدفع إليكم من عنده ، و لْننتدب لذلك رجلين من أهل رأيكم .

فبعثوا عمرو بن العاص و عبد الله بن أبي ربيعة مع الهدي ( أي مع الهدية ، و لم يكونا قد أسلما بعد ) ، فركبا البحر ، فلما دخلا على النجاشي سجدا وسلما عليه ، وقالا : قومنا لك ناصحون ، وإنهم بعثونا إليك لنحذرك هؤلاء الذين قدموا عليك لأنهم قوم اتبعوا رجلا كذابا خرج فينا يزعم أنه رسول الله ولم يتبعه إلا السفهاء فضيقنا عليهم وألجأناهم إلى شِعْب بأرضنا ، لا يخرج منهم أحد ولا يدخل عليهم أحد ، فقتلهم الجوع والعطش ، فلما اشتد عليهم الأمر بعث إليك ابن عمه ( يعنون جعفر بن أبي طالب ) ليفسد عليك دينك وملكك .. فاحذرهم و ادفعهم إلينا لنكفيكهم ، و آية ذلك أنهم إذا دخلوا عليك لا يسجدون لك ، ولا يحيونك بالتحية التي تُحَيَّى بها ، رغبة عن دينك .

فدعاهم النجاشي ، فلما حضروا صاح جعفر بن أبي طالب بالباب : يستأذن عليك حزب الله 

فقال النجاشي : مروا هذا الصائح فليعد كلامه ، ففعل ، قال : نعم فليدخلوا بإذن الله وذمته .

فدخلوا و لم يسجدوا له ، فقال : ما منعكم أن تسجدوا لي ؟

قالوا : إنما نسجد لله الذي خلقك ومُلكك ، وإنما كانت تلك التحية لنا ونحن نعبد الأوثان ، فبعث الله فينا نبيا صادقا ، وأمرنا بالتحية التي رضيها الله و هي " السلام " تحية أهل الجنة .

فعرف النجاشي أن ذلك حق و أنه في التوراة والإنجيل ، فقال : أيكم الهاتف يستأذن ؟

فقال جعفر : أنا .

قال : فتكلم .

قال : إنك ملك لا يصلح عندك كثرة الكلام ولا الظلم ( يشيد بعدله و حكمته ) ، وأنا أحب أن أجيب عن أصحابي ، فأمر هذين الرجلين فليتكلم أحدهما ، فتسمع محاورتنا .

فقال عمرو بن العاص لجعفر : تكلم .

فقال جعفر للنجاشي : سَلْه ، أعبيد نحن أم أحرار ؟ فإن كنا عبيدا أبقنا ( أي هربنا ) من أربابنا فارددنا إليهم .

فقال عمرو : بل أحرار كرام .

فقال : هل أهرقنا دما بغير حق فيقتص منا ؟

قال عمرو : ولا قطرة .

فقال : هل أخذنا أموال الناس بغير حق فعلينا قضاؤها ؟

فقال عمرو : ولا قيراط .

فقال النجاشي : فما تطلبون منه ؟

قال : كنا نحن وهم على أمر واحد على دين آبائنا ، فتركوا ذلك واتبعوا غيره .

فقال النجاشي : ما هذا الذي كنتم عليه وما الذي اتبعتموه ؟ قل واصدقني .

فقال جعفر : أمَّا الذي كنا عليه و تركناه فهو دين الشيطان ، كنا نكفر بالله ونعبد الحجارة . وأمَّا الذي تحولنا إليه فدين الله .. الإسلام ، جاءنا به من الله رسول وكتاب مثل كتاب ابن مريم موافقا له .

فقال : تكلمت بأمر عظيم ، فعلى رِسْلِكَ ( أي تمهَّل ).

ثم أمر بضرب الناقوس ، فاجتمع إليه كل قسيس وراهب ، فقال لهم : أنشدكم الله الذي أنزل الإنجيل على عيسى ، هل تجدون بين عيسى وبين يوم القيامة نبيا ؟

قالوا : اللهم نعم ، قد بشرنا به عيسى ، وقال من آمن به فقد آمن بي ، ومن كفر به فقد كفر بي .

فقال النجاشي لجعفر رضي الله عنه : ماذا يقول لكم هذا الرجل ؟ وما يأمركم به ؟ وما ينهاكم عنه ؟ .

فقال : يقرأ علينا كتاب الله و يأمرنا بالمعروف و ينهانا عن المنكر ، و يأمرنا بحسن الجوار وصلة الرحم وبر اليتيم ، و يأمرنا بأن نعبد الله وحده لا شريك له .

فقال : اقرأ مما يقرأ عليكم ، فقرأ سورتي العنكبوت والروم ، ففاضت عينا النجاشي من الدمع ، وقال : زدنا من هذا الحديث الطيب ، فقرأ عليهم سورة الكهف .

فأراد عمرو أن يُغضِب النجاشي ، فقال : إنهم يشتمون عيسى وأمه .

فقال : ما تقولون في عيسى وأمه ؟ ، فقرأ عليهم سورة مريم ، فلما أتى على ذكر عيسى وأمه رفع النجاشي بعود من الأرض فقال : والله ما زاد المسيح على ما تقولون قدر هذا العود .

فأقبل النجاشي على جعفر ، ثم قال : اذهبوا فأنتم سُيوم بأرضي - والسيوم أي الآمنون بلغة أهل الحبشة - من سبَّكم غَرِم .

ثم أمر حاشيته برد هدايا قريش ، فخرجا من عنده مقبوحَيْن مردوداً عليهما ما جاءوا به ، و أقام المسلمون عنده بخير دار مع خير جار .

وفي النجاشي نزل قول الله تعالى : (( وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين * وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ... )) .

كتاب رسول الله إلى النجاشي

( مرفق مع هذه الرسالة صورة أصلية لهذا الكتاب ) 

فلما كان شهر ربيع سنة سبع من الهجرة ، كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا إلى النجاشي يدعوه إلى الإسلام ، وكتب إليه أن يزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان ؛ جبراً لخاطرها ، إذ كانت مهاجرة إلى الحبشة مع زوجها عبد الله بن جحش فتنصر هناك ومات نصرانيا و بقيت هي على إسلامها . وكتب إليه أيضا أن يبعث إليه من بقي من أصحابه ؛ إذ لم يكونوا قد رجعوا جميعاً عند سماعهم بهجرة رسول الله إلى المدينة ، و إنما بقيَ البعض .

فلما قرأ الكتاب أسلم ، وقال : لو قدرت أن آتيه لأتيته ، و زوجه أم حبيبة وأصدقها عنه أربعمائة دينار ( أي دفعها مهراً لها نيابةً عنه ) ، وحمل بقية أصحابه في سفينتين فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر وقد فتحها ( في السنة السابعة للهجرة ) .

موت النجاشي

و لما مات النجاشي خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى عليه كما يصلي على الجنائز ( صلاة الغائب ) .