----- Original Message -----
From: Rania
Sent: Wednesday, May 22, 2002 12:04 PM
Subject: مولد الهدى : مختصر السيرة ( 10 )

وفي السنة السادسة للبعثة أسلم حمزة بن عبد المطلب و عمر بن الخطاب 

إسلام حمزة بن عبد المطلب

مر أبو جهل برسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصفا فآذاه ونال منه ، و رسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت ، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل المسجد . وكانت مولاة ( أمة : أي عبدة ) لعبد الله بن جعدان في مسكن لها على الصفا ، تسمع ما يقول أبو جهل . وأقبل حمزة من القنص ( الصيد ) متوشحا قوسه ، و قد كان يسمى : أعزّ قريش ( لقوته و شجاعته و شدة شكيمته ) ، فأخبرته مولاة ابن جدعان بما سمعت من أبي جهل ، فغضب و دخل المسجد - وأبو جهل جالس في نادي قومه - فانتهره حمزة و قال له : تشتم ابن أخي وأنا على دينه ؟ ( قالها تضامناً مع ابن أخيه ، و لم يكن قد أسلم بالفعل ) ، ثم ضربه بالقوس فشجه موضحة . فثار رجال من بني مخزوم و ثار بنو هاشم ، فقال أبو جهل : دعوا أبا عمارة ( كنية لحمزة ) فإني سببت ابن أخيه سبا قبيحا . فعلمت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عز ( أي قد قويَ موقفه بإسلام حمزة ) ، فكفوا عنه بعض ما كانوا ينالون منه .

نرى أن إسلام حمزة كان أول الأمر رغماً عنه ، عن غير إيمان و يقين ، و إنما حميَّة لابن أخيه و دفاعاً عنه ، ثم شرح الله صدره فبقي على إسلامه و استمسك بالعروة الوثقى ، و كان إسلامه عزاً للمسلمين و تقوية لشوكتهم .

 

إسلام عمر رضي الله عنه

" إنا قومٌ أعزنا الله بالإسلام ، فمهما ابتغينا العزة في غيره .. أزلَّنا الله "

وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك : إما عمر بن الخطاب . أو أبي جهل بن هشام "  ، فكان أحبهما إلى الله عمر رضي الله عنه  .

كان عمر رضي الله عنه معروفاً بحدة الطبع و قوة الشكيمة ، و طالما لقيَ المسلمون منه ألوان الأذى . و يبدو أنه كانت تصطرع في نفسه مشاعر متناقضة : احترامه للتقاليد التي سنَّها الآباء و الأجداد ، و استرساله مع شهوات السكر و اللهو التي ألفها ، ثم إعجابه بصلابة المسلمين و احتمالهم البلاء في سبيل عقيدتهم ، ثم الشكوك التي كانت تساوره في أن ما يدعو إليه الإسلام قد يكون أجلَّ و أزكى من غيره ، و لهذا ما إن يثور حتى يخور . [ محمد الغزالي ] .

و قد رويت في إسلام عمر رضي الله عنه عدة روايات ، يبدو منها أن نزول الإسلام في قلبه كان تدريجياً ، منها أنه سمع القرآن من رسول الله في الحرم ، و منها أنه أسلم بعد إسلام أخته فاطمة و زوجها .

وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لعمر رضي الله عنه : لِمَ سُمِّيت الفاروق ؟

فقال : أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام ، ثم شرح الله صدري للإسلام . وأول شيء سمعته من القرآن ووقر في صدري : (( الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى  )) ، فما في الأرض نَسَمَة أحب إليَّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألت عنه ، فقيل لي : هو في دار الأرقم ، فأتيت الدار - وحمزة في أصحابه جلوسا في الدار و رسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت - فضربت الباب فاستجمع القوم ( خشيةً من عمر ) ،

فقال لهم حمزة : ما لكم ؟

فقالوا : عمر 

فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بمجامع ثيابي ثم نترني نترة لم أتمالك أن وقعت على ركبتي ، فقال : ما أنت بمنتهٍ يا عمر ؟

فقلت : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله ، فكبَّر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد .

فقلت : يا رسول الله ألسنا على الحق إن متنا أو حيينا ؟

قال : بلى .

فقلت : ففيمَ الاختفاء ؟! والذي بعثك بالحق لتخرجن

فخرجنا في صفين : حمزة في صف و أنا في صف ، له كديد ككديد الطحن ، حتى دخلنا المسجد . فلمَّا نَظَرَت إلينا قريش أصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها قط ( لِما رأوا من عزة الإسلام بحمزة و عمر ) ، فسَمَّاني رسول الله صلى الله عليه وسلم " الفاروق " ( إذ فرّق الله به بين الحق و الباطل و أعز به الإسلام ) . 

و قال صهيب الرومي : لمَّا أسلم عمر رضي الله عنه ظهر الإسلام ، و دُعِيَ إليه علانيةً ، و جلسنا حول البيت حِلَقاً ، و طفنا بالبيت و استنصفنا مما غلظ علينا  .

و قال عبد الله بن مسعود : مازلنا أعزةً منذ أسلم عمر .

حصار بني هاشم في الشِّعْب

ولما اجتمع بنو هاشم ( قوم رسول الله ) - مؤمنهم وكافرهم - على منع رسول الله صلى الله عليه وسلم و حمايته ، اجتمعت قريش فأجمعوا أمرهم على أن لا يجالسوهم ولا يبايعوهم ولا يدخلوا بيوتهم حتى يسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتل ، وكتبوا بذلك صحيفة فيها عهود ومواثيق : " أن لا يقبلوا من بني هاشم صلحا أبدا ، ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموه للقتل " 

فأمرهم أبو طالب أن يدخلوا شِعْبه ( الشعب : ممر بين الجبال ) ، فلبثوا فيه ثلاث سنين ، واشتد عليهم البلاء وقطعوا عنهم الأسواق ، فلا يتركون طعاما يدخل مكة ، ولا بيعا إلا بادروا فاشتروه حتى يمنعوا وصوله إلى بني هاشم في حصارهم في الشِّعْب ، حتى كان يُسمع أصوات نسائهم يتضاغون من وراء الشِّعْب من الجوع ، واشتدوا على من أسلم ممن لم يدخل الشعب ، فأوثقهم ( قيَّدوهم ) ، وعَظُمَت الفتنة وزلزلوا زلزالا شديدا .

وكان أبو طالب إذا أخذ الناس مضاجعهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضطجع على فراشه حتى يرى ذلك من أراد اغتياله ( خدعةً ؛ حتى يظنوا أنه في مكانه المعتاد ) . فإذا نام الناس أمر أحد بنيه أو إخوته أو بني عمه فاضطجع على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم و أمر رسول الله أن يأتي أحد فُرُشهم .

نقض الصحيفة

ثم بعد ذلك مشى هشام بن عمرو من بني عامر بن لؤي ـ و كان يصل بني هاشم في الشعب خفية بالليل بالطعام ـ مشى إلى زهير بن أبي أمية المخزومي - وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب عمة رسول الله - وقال : يا زهير ، أرضيت أن تأكل الطعام وتشرب الشراب وأخوالك بحيث تعلم ؟

فقال : ويحك ، فما أصنع وأنا رجل واحد ؟ أما والله لو كان معي رجل آخر لقمت في نقضها .

قال : أنا .

قال : أبْغِنا ثالثا .

قال : أبو البختري بن هشام .

قال : ابْغِنا رابعا .

قال : زمعة بن الأسود .

قال : أبْغِنا خامسا .

قال : المطعم بن عدي . 

فاجتمعوا عند الحجون ، وتعاقدوا على القيام بنقض الصحيفة ، فقال زهير : أنا أبدأ بها .

فجاءوا إلى الكعبة - وقريش محدقة ( محيطة ) بها - فنادى زهير : يا أهل مكة ، إنا نأكل الطعام و نشرب الشراب ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى ، و الله لا أقعد حتى تشق الصحيفة القاطعة الظالمة .

فقال أبو جهل : كذبت ، و الله لا تشق .

فقال زمعة : أنت والله أكذب ، ما رضينا كتابتها حين كتبت .

وقال أبو البختري : صدق زمعة ، لا نرضى ما كُتِب فيها ولا نقار عليه ( أي لا نقره ) .

فقال المطعم بن عدي : وكذب من قال غير ذلك ، نبرأ إلى الله منها ومما كتب فيها .

وقال هشام بن عمر أيضاً في ذلك ، فقال أبو جهل : هذا أمر قد قضي بليل ، تُشُووِرَ فيه بغير هذا المكان .

وبعث الله على صحيفتهم الأرَضَة ( نوع من القوارض ) ، فلم تترك اسما لله إلا قرضته ، و بقيَ ما فيها من شرك وظلم وقطيعة . و أطلع الله رسوله على الذي صُنِع بصحيفتهم ، فذكر ذلك لعمه ، فقال : لا ، والثواقب ( يقسم بالكواكب المضيئة ) ما كَذَبْتَني ( أي أنه صادق فيما يقول ) 

فانطلق يمشي بعصابة من بني عبد المطلب ، حتى أتى المسجد وهو حافل في قريش ، فلما رأوهم ظنوا أنهم خرجوا من شدة الحصار وأتوا ليعطوهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتكلم أبو طالب فقال : قد حدث أمر لعله أن يكون بيننا وبينكم صلحا ، فأتوا بصحيفتكم ( طلب منهم  ذلك قبل أن يخبرهم خبرها خشية أن ينظروا فيها قبل أن يأتوا بها ، فلا يأتون بها عندما يعرفون صدقه )

فأتوا بها معجبين ( مغرورين ) ، لا يشُكُّون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مدفوع إليهم ، قالوا : قد آن لكم أن تفيئوا وترجعوا خطرا لهلكة قومكم .

فقال أبو طالب : لأعطينكم أمرا فيه نصف ( عدل ) . إن ابني أخبرني - ولم يَكْذِبْني - أن الله عز وجل بريء من هذه الصحيفة التي في أيديكم وأنه محا كل اسم له فيها ، وترك فيها غدركم وقطيعتكم ، فإن كان ما قال حقا فوالله لا نسلمه إليكم حتى نموت عن آخرنا ، وإن كان الذي يقول باطلا دفعناه إليكم فقتلتموه أو استحييتموه .

قالوا : قد رضينا .

ففتحوا الصحيفة فوجدوها كما أخبر ، فقالوا : هذا سحر من صاحبكم

فارتكسوا وعادوا إلى شر ما هم عليه ، فتكلم عند ذلك النفر الذين تعاقدوا على نقد الصحيفة - كما تقدم - ، وأسلم أحدهم و هو هشام بن عمرو يوم الفتح ( فتح مكة ) .

و خرج بنو هاشم من شِعْبهم وخالطوا الناس ، وكان خروجهم في سنة عشر من النبوة . 

موت خديجة وأبي طالب

عام الحزن

مات أبو طالب بعد الخروج من الشعب بستة أشهر ، و ماتت خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها بعد موت أبي طالب بأيام ، فاشتد البلاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم من قومه بعد موت خديجة التي كانت تواسيه و تشد من أزره ، وعمه الذي كان يمنعه و يحميه ، وتجرءوا عليه وكاشفوه بالأذى وأرادوا قتله فمنعهم الله من ذلك .

وقد اجتمع أشرافهم في الحجر ( حِجر إسماعيل ) فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : ما رأينا مثل صبرنا عليه ، سفه أحلامنا ، وشتم آباءنا ، وفرق جماعتنا ، فبينما هم في ذلك إذ أقبل صلى الله عليه و سلم فاستلم الركن فلما مر بهم غمزوه .

فلما كان من الغد اجتمعوا ، فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم فقالوا : قوموا إليه وثبة رجل واحد . فقام عقبة بن أبي معيط و أخذا بمجامع ردائه ، وقام أبو بكر دونه يرد عنه وهو يبكي يقول : أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ؟

ومرة كان يصلي عند البيت ، ورهط من أشرافهم يرونه فأتى أحدهم بسلا جزور ( الجزور : الإبل ) فرماه على ظهره .

وكانوا يعلمون صدقه وأمانته و أن ما جاء به هو الحق ، لكنهم كما قال الله تعالى: ((  فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون  ))

رويَ أن أبا جهل و جماعة معه وفيهم الأخنس بن شريق استمعوا قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل فقال الأخنس لأبي جهل : يا أبا الحكم ، ما رأيك فيما سمعت من محمد ؟

فقال : إني لأعلم أن ما يقول حق ، ولكن تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف ( أي كان هناك تسابق و منافسة بين قوم أبي جهل و قوم رسول الله في حوز الشرف و المكانة ) ، أطعموا فأطعمنا ، وحملوا فحملنا ، وأعطوا فأعطينا ، حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا منا نبي يأتيه الوحي من السماء ، فمتى ندرك هذا ؟ والله لا نسمع له أبدا ولا نصدقه أبدا .