----- Original Message -----
Sent: Wednesday, March 20, 2002
6:48 AM
Subject: من دروس الهجرة ( 3 )
: الثقة بالله و التوكل عليه
الثقة بالله و التوكل
عليه
" ما ظنك
باثنين الله ثالثهما "
" لا تحزن
.. إن الله معنا "
هل كان رسول الله صلى الله عليه و سلم مضطراً
للتعرض لكل تلك المخاطر ؟ ألم يكن ربه ـ سبحانه ـ قادراً على أن ينقله إلى
المدينة نقلاً مباشراً كما حدث في رحلة الإسراء و المعراج ؟ لِمَ كانت الهجرة إذن ،
و ما الهدف و الرسالة التي تبعثها إلى أمة المسلمين سَلَفِهم و خَلَفِهم ؟
ندرك تلك الرسالة و هذا الهدف من المواقف المختلفة
في الهجرة :
عندما تتبعت قريش رسول الله و صاحبه أبا
بكر حَتّى انْتَهَوْا إلَى بَابِ الْغَار فَوَقَفُوا
عَلَيْهِ . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ " يَا رَسُولَ اللّهِ لَوْ
أَنّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إلَى مَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا .
فَقَالَ " مَا ظَنّك بِاثْنَيْنِ اللّهُ
ثَالِثُهُمَا ؟ لا تَحْزَنْ إنّ اللّهَ مَعَنَا"
.
لو تأملنا هذا الموقف لأدركنا معنىً سامياً
ينبع من أصل عقيدة المسلم و إيمانه بالله .. الواحد .. القادر .. المالك .. الذي
يقول للشئ كن فيكون ... ذلك المعنى هو الثقة بالله و حسن الظن به و التوكل عليه
سبحانه ... مع العمل و الأخذ بأسباب النجاح .
يقول سبحانه و تعالى في حديثٍ قدسي
: " أنا عند ظن عبدي بي ، و
أنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، و إن ذكرني في ملئٍ ذكرته
في ملئٍ خيرٍ منهم ، و إن تقرب إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً ، و إن تقرب
إليّ ذراعاً تقربت إليه باعاً ، و إن أتاني يمشي أتيته هرولة " .
ماذا كانت نتيجة هذا التوكل : لقد أعمى الله عنه
عيون المشركين عند خروجه من بينهم ، بل و نثر على رؤسهم التراب .. و حجب أبصارهم
عنه عند الغار .. و الحمامة و العنكبوت .. و قصة سراقة بن مالك .. و ....
{ و من يتوكل على الله فهو حسبه * إن الله بالغ أمره
}
المعنى :
يقال " تَوَكَّلَ عَلَى اللَّه "ِ :
أي اعْتَمَدَ عَلَيْهِ وَوَثِقَ بِهِ , وَاتَّكَلَ عَلَيْهِ فِي أَمْرِهِ كُله
.
وَفِي الشَّرِيعَةِ يُطْلَقُ التَّوَكُّلُ عَلَى
الثِّقَةِ بِاَللَّهِ وَاْلإِيقَانِ بِأَنَّ قَضَاءَهُ مَاضٍ , وَالاتِّبَاعِ
لِسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّعْيِ فِيمَا لا
بُدَّ مِنْهُ مِنْ الأَسْبَابِ .
التَّوَكُّلُ بِمَعْنَى الثِّقَةِ بِاَللَّهِ , وَالِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ فِي
كُلِّ الْأُمُورِ وَاجِبٌ , وَمَأْمُورٌ
بِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ , وَفِي سُنَّةِ الرَّسُولِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ لِنَبِيِّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى
اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } وَأَمَرَ
الْمُؤْمِنِينَ كَذَلِكَ بِالتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ , وَقَالَ : تَبَارَكَتْ
أَسْمَاؤُهُ : { وَعَلَى اللَّهِ
فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ }
التوكل و الأخذ
بالأسباب :
التَّوَكُّلَ عَلَى اللَّهِ لَا يَتَنَافَى مَعَ السَّعْيِ وَالْأَخْذِ بِالْأَسْبَابِ
مِنْ مَطْعَمٍ , وَمَشْرَبٍ , وَتَحَرُّزٍ مِنْ الْأَعْدَاءِ وَإِعْدَادِ
الْأَسْلِحَةِ , وَاسْتِعْمَالِ مَا تَقْتَضِيهِ سُنَّةُ اللَّهِ الْمُعْتَادَةُ ,
مَعَ الِاعْتِقَادِ أَنَّ الْأَسْبَابَ وَحْدَهَا لَا تَجْلُبُ نَفْعًا , وَلَا
تَدْفَعُ ضَرًّا , بَلْ السَّبَبُ ( الْعِلَاجُ ) وَالْمُسَبَّبُ ( الشِّفَاءُ )
فِعْلُ اللَّهِ تَعَالَى , وَالْكُلُّ مِنْهُ وَبِمَشِيئَتِهِ .
وَقَالَ الرَّازِيّ
فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {
وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْت فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ
} دَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ التَّوَكُّلُ أَنْ يُهْمِلَ
الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ كَمَا يَقُولُ بَعْضُ الْجُهَّالِ وَإِلَّا كَانَ الْأَمْرُ
بِالْمُشَاوَرَةِ مُنَافِيًا لِلْأَمْرِ بِالتَّوَكُّلِ . بَلْ
التَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ : أَنْ يُرَاعِيَ الْإِنْسَانُ الْأَسْبَابَ
الظَّاهِرَةَ وَلَكِنْ لَا يُعَوِّلُ ( يعتمد ) بِقَلْبِهِ عَلَيْهَا , بَلْ
يُعَوِّلُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى .
وَجُمْهُورُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى
أَنَّ التَّوَكُّلَ الصَّحِيحَ إنَّمَا يَكُونُ مَعَ الْأَخْذِ بِالْأَسْبَابِ .
وَبِدُونِهِ تَكُونُ دَعْوَى التَّوَكُّلِ جَهْلًا بِالشَّرْعِ وَفَسَادًا فِي
الْعَقْلِ . وَقِيلَ لِأَحْمَدَ ( بن حنبل ): مَا
تَقُولُ فِيمَنْ جَلَسَ فِي
بَيْتِهِ
وَمَسْجِدِهِ
وَقَالَ لَا أَعْمَلُ شَيْئًا حَتَّى يَأْتِيَ
رِزْقِي ؟
فَقَالَ أَحْمَدُ : هَذَا رَجُلٌ جَهِلَ الْعِلْمَ ,
أَمَا سَمِعَ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { جُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي
} . وَقَالَ عُمَرُ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لَا يَقْعُدُ أَحَدُكُمْ عَنْ طَلَبِ الرِّزْقِ
وَيَقُولُ اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي , وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ السَّمَاءَ لَا
تُمْطِرُ ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً .
التوكل في
القرآن و السنة :
وَقَدْ تَوَاتَرَ ( تكرر كثيراً ) الْأَمْرُ
بِالْأَخْذِ بِالْأَسْبَابِ فِي الْقُرْآنِ وَسُنَّةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
القرآن
:
-
َقَالَ تعالى : {
فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ
}
-
وَقَالَ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ
}
-
وَقَالَ : { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ
رِبَاطِ الْخَيْلِ } .
السنة
:
-
أَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : {
أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَأَرَادَ أَنْ يَتْرُكَ نَاقَتَهُ وَقَالَ : أَأَعْقِلُهَا
وَأَتَوَكَّلُ , أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ ؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اعْقِلْهَا , وَتَوَكَّلْ
} .
-
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : { لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ
حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ حَطَبٍ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ
اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ
مَنَعُوهُ } .
-
وَأَمَرَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِالتَّدَاوِي : وَقَالَ { تَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ , فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَضَعْ
دَاءً إلَّا وَضَعَ مَعَهُ الشِّفَاءَ } . أَيْ تَدَاوَوْا وَلَا
تَعْتَمِدُوا فِي الشِّفَاءِ عَلَى التَّدَاوِي . بَلْ كُونُوا مُتَوَكِّلِينَ
عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى , فَالتَّدَاوِي لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ
.
-
وَقَالَ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : { لَوْ
أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا
يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا } .
وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ التَّوَكُّلَ يَكُونُ مَعَ السَّعْيِ ; لِأَنَّهُ
ذَكَرَ لِلطَّيْرِ عَمَلًا وَهُوَ الذَّهَابُ صَبَاحًا فِي طَلَبِ الرِّزْقِ ,
وَهِيَ فَارِغَةُ الْبُطُونِ , وَالرُّجُوعُ وَهِيَ مُمْتَلِئَتُهَا
ربنا .. عليك
توكَّلنا .. و إليك أنبنا .. و إليك المصير