----- Original Message -----
Sent: Tuesday, March 26, 2002 5:15
AM
Subject: لا هجرة بعد
الفتح
عن ابن عباس رضي الله
عنهما أن النبي قال
يوم الفتح ( فتح مكة ) : " لا هجرة بعد الفتح ، و لكن جهاد و نية ، و إذا
استُنْفِرتم فانفروا " .
لا هجرة بعد
الفتح
كانت الهجرة فرضاً في أول الإسلام على
من أسلم ؛ لقلة المسلمين بالمدينة و حاجتهم إلى الاجتماع ، فلما فتح الله مكة دخل
الناس في دين الله أفواجاً فسقط فرض الهجرة إلى المدينة ، و بقي فرض الجهاد و النية
على من قام به أو نزل به عدو .
و كانت الحكمة أيضاً في وجوب الهجرة
على من أسلم ، ليسلم من أذى ذويه من الكفار ، فإنهم كانوا يعذبون من أسلم
منهم إلى أن يرجع عن دينه ، و فيهم نزلت : (
إن الذين تَوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيمَ كنتم قالوا كنا مستضعفين في
الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعةً فتهاجروا فيها ) . و هذه الهجرة باقيه
الحُكم في حق من أسلم في دار الكفر و قدر على الخروج منها . قال رسول الله : " أنا برئٌ من كل مسلم يقيم بين أظهُر المشركين " ، و هذا
محمول على من لم يأمن على دينه و كان يستطيع الرحيل . فليس شئ أعز على المسلم من
دينه ، يبيع كل شئٍ ليشتريه .. و يضحي بكل شئٍ ليحميه .
و لكن جهاد و نية
علينا أن نعرف ـ نحن الذين نعيش في هذا
الزمان ـ أنه لا هجرة بعد الفتح ، إلا إن كانت هجرة يقصد بها صاحبها المعونة على
طاعة الله ، و هو ما يوضحه قول النبي : " المسلم من سلم المسلمون
من لسانه و يده ، و المهاجر من هجر ما نهى الله عنه " . و الخير الذي انقطع
بانقطاع الهجرة يمكن تحصيله بالجهاد و النية الصالحة .
و هناك هجرة باقية لنا و هي المفارقة لأجل الجهاد في سبيل الله ، أو
الهجرة إلى طلب العلم ، أولأن هناك مجالاً للطاعة
أكثر ، فلنفترض أن هناك مكاناً يُضَيَّق فيه على المؤمنين لدرجة أنهم لا
يستطيعون فيه أداء ما افترضه الله عليهم من العبادات كصلاة الجمعة و الجماعة مثلاً
، فيترك أهل الإيمان هذا المكان فراراً إلى مكان فيه مجال يأخذ فيه المؤمن حرية
أداء الفروض الدينية ، و كذلك الفرار بالدين من الفتن
.. كل هذه هجرات إلى الله . و النية في هذه الهجرات لا يمكن أن تكون محصورة فقط في
طلب سعة العيش . و لذلك لا يصح أن يكون الشغل الشاغل للناس في هذا الزمان هو سعة
العيش ، بل عليهم أن يبحثوا عن صحة الدين و إقامة شعائره . قال رسول
الله : " إنما الأعمال
بالنيات ، و إنما لكل امرئٍ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله و رسوله فهجرته إلى
الله و رسوله ، و من كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأةٍ ينكحها فهجرته إلى ما
هاجر إليه " .
و إذا
استُنْفِرتم فانفروا
معناه : إذا طلبكم الإمام للخروج إلى
الجهاد فاخرجوا ، و هذا دليل على أن الجهاد ليس فرض عين ، بل فرض كفاية إذا فعله من
تحصُل بهم الكفاية سقط الحرج عن الباقين ، و إن تركوه كلهم أثموا كلهم . فالجهاد فرض كفاية إلا أن ينزل الكفار ببلد المسلمين فيتعين عليهم
الجهاد ، فإن لم يكن في أهل ذلك البلد كفاية وجب على من يليهم تتميم الكفاية
.
الهجرة مستمرة
ندرك مما سبق أن الهجرة غير منقطعة . فالهجرة التي
انتهت بالفتح هي الهجرة من مكة إلى المدينة ، فأما من كان من المؤمنين في بلدٍ
يخاف على إظهار دينه من الكفار وجب عليه أن يهاجر إلى بلدٍ لا يخاف فيه على إظهار
دينه .
و يدل على ذلك قوله : " لا تنقطع الهجرة حتى
تنقطع التوبة ، و لا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها " .
لو أسلم قوم كفار : فإن
كانوا حيث تنالهم أحكام الكفار وجب عليهم الارتحال منهم ، فإن لم يرتحلوا يكونوا
عاصين لله و رسوله .. و إسلامهم صحيح . و المقيم ببلد الكفر اختياراً لا اضطراراً
فشهادته لا تجوز .
هذا ، و إن قدر المسلم على إظهار
دينه في بلد من بلاد الكفر فقد صارت البلد بذلك دار إسلام ، فالإقامة فيها
أفضل من الرحيل ؛ لما يُرجَى من دخول غيره في الإسلام عن طريقه .