----- Original Message -----
Sent: Saturday, May 25, 2002 2:06 PM
Subject: مولد الهدى : دروس من السيرة ( 1 )
شرف
العروبة
فيما أوضحناه من نسبه الشريف صلى
الله عليه و سلم دلالة واضحة على أن الله سبحانه و تعالى ميَّز العرب على سائر
الناس ، و فضل قريشاً على سائر القبائل الأخرى . تجد هذه الدلالة واضحة في الحديث
الذي يقول فيه صلى الله عليه و سلم : " إن الله اصطفى كنانة من
ولد إسماعيل ، و اصطفى قريشاً من كنانة ، و اصطفى هاشماً من قريش ، و اصطفاني من
بني هاشم " .
و قال رسول الله صلى الله عليه
و سلم أيضاً : " ... إن الله خلق الخلق ثم جعلهم فرقتين
فجعلني في خيرهم فرقة ، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة ، ثم جعلهم
بيوتاً فجعلني في خيرهم بيتاً و خيرهم نفساً " .
و اعلم أن مقتضى محبة رسول الله صلى
الله عليه و سلم محبة القوم الذين ظهر فيهم و القبيلة التي ولد فيها ، لا من حيث
الأفراد و الأجناس ، بل من حيث الحقيقة العربية و القرشية ؛ ذلك لأن العروبة شرفت ـ
و لا ريب ـ بانتساب رسول الله إليها .
و لا ينافي ذلك ما قد يلحق من سوء
بكل من انحرف من العرب أو القرشيين عن صراط الله عز و جل و انحط عن مستوى الكرامة
الإسلامية التي اختارها الله لعباده ؛ لأن هذا الانحراف أو الانحطاط من شأنه أن
ينقض ما كان من نِسبة بينه و بين رسول الله صلى الله عليه و سلم أو يلغيها من
الاعتبار .
اليتيم
ليس من قبيل المصادفة أن يولد رسول
الله صلى الله عليه و سلم يتيماً ، ثم لا يلبث أن يفقد أمه و جده أيضاً فينشأ
النشأة الأولى من حياته بعيداً عن تربية الأب و رعايته ، محروماً من عاطفة الأم و
حُنوِّها .
لقد اختار الله عز و جل لنبيه هذه
النشأة لحكم باهرة ، لعل من أهمها أن لا يكون للمبطلين سبيل إلى إدخال الريبة في
القلوب أو إيهام الناس بأن محمداً صلى الله عليه و سلم إنما نادى بدعوته و رسالته
التي دعا إليها منذ صباه بإرشاد و توجيه من أبيه و جده ، و خاصةً أن جده عبد المطلب
كان صدراً في قومه ، فلقد كانت إليه الرفادة ( طعام لفقراء الحجيج ) و
السقاية ( سقاية الحجيج ) ، و من الطبيعي أ يربي الجد حفيده أو الأب ابنه على ما
يحفظ لديه هذا الميراث .
لقد اقتضت حكمة الله عز و جل أن لا
يكون للمبطلين من سبيل إلى مثل هذه التربية ، فنشَّأ رسوله بعيداً عن تربية أبيه و
أمه و جده ، و حتى فترة طفولته الأولى ، فقد شاء الله عز و جل أن يقضيها في بادية
بني سعد بعيداً عن أسرته كلها ، و لمَّا توفي جده و انتقل إلى كفالة عمه أبي طالب
الذي امتدت حياته إلى ما قبل الهجرة بثلاث سنوات ، كان من تأكيد هذه الدلالة أن لا
يدخل عمه في الإسلام ؛ حتى لا يُتَوَهََّم أن لعمه مدخلاً في دعوته ، و أن
المسألة مسألة قبيلة و أسرة و زعامة و منصب .
و هكذا أرادت حكمة الله أن ينشأ رسول
الله يتيماً تتولاه عناية الله وحدها بعيداً عن الذراع التي تمعن في تدليله و المال
الذي يزيد في تنعيمه ؛ حتى لا تميل به نفسه إلى مجد المال و الجاه ، و حتى لا يتأثر
بما حوله من معنى الصدارة و الزعامة ، فتلتبس على الناس قداسة النبوة بجاه الدنيا ،
و حتى لا يحسبوه يصطنع الأول ( النبوة ) ابتغاء الوصول إلى الثاني ( جاه الدنيا )
.