----- Original Message -----
Sent: Sunday, May 26, 2002 1:19 PM
Subject: مولد الهدى : دروس من السيرة ( 2 )
البشارة
برسول الله في كتب السابقين
حديث بحيرى الراهب
يدل حديث بحيرى عن رسول الله صلى
الله عليه و سلم على أن أهل الكتاب من يهود و نصارى كان عندهم علم ببعثة النبي عليه
الصلاة و السلام و معرفة بعلاماته ، و ذلك بواسطة ما جاء في التوراة و الإنجيل من
خبر بعثته و بيان دلائله و أوصافه . و الدلائل على ذلك كثيرة :
رعي
الأغنام
عندما بدأ رسول الله صلى الله عليه و
سلم يستقبل فترة الشباب من عمره ، بدأ بالسعي للرزق و راح يشتغل برعي الغنم ، و لقد
قال عليه الصلاة و السلام عن نفسه فيما بعد : " كنت أرعى الغنم
على قراريط لأهل مكة " .
و لإقباله على
رعي الغنم طلباً للرزق و اكتساب القوت ثلاث دلالات هامة :
أولاً : الذوق الرفيع و الإحساس الدقيق
اللذان جمَّل الله بهما نبيه محمداً صلى الله عليه و سلم . لقد كان عمه يحوطه
بالعناية التامة ، و كان له في الحنوِّ و الشفقة كالأب الرؤوف ، و لكنه صلى الله
عليه و سلم ما إن آنس في نفسه القدرة على الكسب حتى أقبل يكتسب و يجهد جهده لرفع
بعض ما يمكن رفعه من مؤونة الإنفاق عن عمه . وربما كانت الفائدة التي يجنيها من
وراء عمله الذي اختاره الله له فائدة قليلة غير ذات أهمية بالنسبة لعمه أبي طالب ،
و لكنه على كلٍّ تعبير أخلاقي رفيع عن شكره له ، و شهامة طبعه ، و البر في المعاملة
.
ثانياً
: يدل ذلك على نوع الحياة التي يرتضيها الله لعباده الصالحين . لقد
كان سهلاً على القدرة الإلهية أن تهيئ للنبي و هو في صدر حياته من أسباب الرفاهية و
وسائل العيش ما يغنيه عن الكدح و رعاية الأغنام سعياً وراء القوت . و لكن الحكمة
الإلهية تقتضي منا أن نعلم أن خير مال الإنسان هو ما اكتسبه بكدِّ يمينه ، و لقاء
ما يقدمه من الخدمة لمجتمعه و بني جنسه ، و شر المال ما أصابه الإنسان و هو مستلقٍ
على ظهره دون أن يرى أيَّ تعبٍ في سبيله ، و دون أن يبذل أي فائدة للمجتمع في
مقابله .
ثالثاً
: إن صاحب أي دعوة لن تقوم لدعوته أي قيمة في الناس إذا ما كان
كسبه و رزقه من وراء دعوته أو على أساس من عطايا الناس و صدقاتهم . و لذا فقد كان
صاحب الدعوة الإسلامية أحرى الناس كلهم بأن يعتمد في معيشته على جهده الشخصي أو
مورد شريف لا استجداء فيه ، حتى لا تكون عليه لأحد من الناس منَّة أو فضل في
دنياه ، فيعوقه ذلك عن أن يصدع بكلمة الحق في وجهه غير مبالٍ .
هذا المعنى ، و إن لم يكن في ذهن
رسول الله في هذه الفترة ؛ إذ إنه لم يكن يعلم بما سيوكل إليه من شأن الدعوة و
الرسالة الإلهية ، غير أن المنهج الذي هيَّأه الله له ينطوي على هذه الحكمة ، و
يوضح أن الله تعالى قد أراد أن لا يكون في شئ من حياة الرسول قبل البعثة ما يعرقل
سبيل دعوته أو يؤثر عليها أي تأثير سلبي فيما بعد البعثة .