----- Original Message -----
Sent: Saturday, June 01, 2002 4:32 PM
Subject: مولد الهدى : دروس من السيرة ( 7 ـ 1 )
و ما
ينطق عن الهوى
( 1
)
حديث بدء الوحي هو الأساس الذي يترتب
عليه جميع حقائق الدين بعقائده و تشريعاته ، و فهمه و اليقين به هو المدخل الذي
لابد منه إلى اليقين بسائر ما جاء به النبي صلى الله عليه و سلم من إخبارات غيبية و
أوامر تشريعية .
من أجل هذا يهتم محترفو التشكيك
بالإسلام بمعالجة موضوع الوحي ، و يبذلون جهداً فكرياً شاقاً في تكلُّف و تمحُّل من
أجل التلبيس في حقيقته ، و الخلط بينه و بين الإلهام و حديث النفس ، بل و حتى الصرع
أيضاً ، و ذلك لعلمهم بأن موضوع الوحي هو منبع يقين المسلمين و إيمانهم بما جاء به
محمد صلى الله عليه و سلم من عند الله ، فلئن أتيح لهم تشكيكهم بحقيقته ، أمكن
تكفيرهم بكل ما قد يتفرع عنه من عقائد و أحكام ، و أمكنهم أن يمهدوا لفكرة أن كل ما
جاء به محمد صلى الله عليه و سلم من المبادئ و الأحكام التشريعية ليس إلا من تفكيره
الذاتي .
تشكيكات
الملاحدة
من أجل هذه الغاية أخذ محترفو الغزو
الفكري يحاولون تأويل ظاهرة الوحي و تحريفها عما يرويه لنا المؤرخون ، وإبعادها عن
حقيقتها الظاهرة ، و راح كل منهم يسلك إلى ذلك ما يروق لخياله من فنون التصورات
المتكلَّفة الغريبة :
تفنيد
الادعاءات الباطلة
تأملات
في نزول الوحي
حينما ننظر إلى مثل هذه التمحُّلات
العجيبة التي لا يرى العاقل لها مسوغاً إلا التهرب من الاقرار بنبوته صلى الله عليه
و سلم ، فندرك بجلاء و وضوح الحكمة الإلهية من بدء نزول الوحي بالطريقة التي حدث
بها ( كما ذكرنا في أجزاء السيرة ) .
هذه أسئلة طبيعية بالنسبة للطريقة
التي بدأ بها الوحي ، و عند التفكير في أجوبتها نجدها تنطوي على حكماً باهرة، فيجد
المفكر الحر فيها الحقيقة الناصعة الواقية من الوقوع في شرك محترفي الغزو الفكري و
التأثر بأخيلتهم المختلفة :
ثم إن شيئاً من حالات الإلهام أو
حديث النفس أو الإشراق الروحي و التأملات العلوية لا يستدعي الخوف و الرعب و
امتقاع اللون .. و هي كلها من الانفعالات القسرية التي لا سيبل
إلى اصطناعها و التمثيل بها . ويتجلى مزيد من صورة المفاجأة المخيفة لديه صلى
الله عليه و سلم في توهمه بأن هذا الذي رآه و غطَّه ( ضمَّه ) و كلمه في الغار قد
يكون أتياً من الجن ، إذ قال لخديجة رضي الله عنها بعد أن أخبرها ما حدث : "لقد
خشيت على نفسي" .
لقد قضت الحكمة الإلهية أن يحتجب
عنه الملَك الذي رآه لأول مرة في غار حراء مدة طويلة ، و أن يستبد به القلق من
أجل ذلك ، ثم يتحول القلق لديه إلى خوف في نفسه من أن يكون الله عز و جل قد قلاه
( هجره ) لسوء قد صدر منه بعد أن أراد أن يشرفه بالوحي و الرسالة .. إن هذه
الحالة التي مر بها رسول الله صلى الله عليه و سلم تجعل من التفكير في كون الوحي
إلهاماً نفسياً ضرباً من الجنون ، إذ من البداهة أن صاحب الإلهامات النفسية و
التأملات الفكرية لا يمر إلهامه أو تفكره بمثل هذه الأمور
.
إذن فإن حديث بدء الوحي
ـ على النحو الذي ورد في الحديث الثابت الصحيح مروياً عن عائشة رضي الله عنها ـ
ينطوي على تهديم كل ما يحاول المشككون تخييله إلى الناس في أمر الوحي و النبوة التي
أكرم الله بها محمداً عليه الصلاة و السلام .. و إذا تبين لك ذلك أدركت مدى الحكمة
الإلهية العظيمة في أن تكون بداية الوحي على هذا النحو الذي أراده الله عز و جل
.
( يتبع
)