----- Original Message -----
Sent: Monday, June 03, 2002 4:44 PM
Subject: مولد الهدى : دروس من السيرة ( 7 - 3 )
و ما
ينطق عن الهوى
( 3
)
و ربما عاد بعد ذلك محترفو التشكيك
يسألون : فلماذا كان ينزل الوحي عليه صلى الله عليه و سلم بعد
ذلك و هو بين الكثير من أصحابه فلا يرى الملَك أحد منهم سواه ؟
و الجواب
: أنه ليس من شرط وجود الموجودات أن تُرى بالأبصار ، إذ إن وسيلة الإبصار
فينا محدودة بحد معين ، و إلا لاقتضى ذلك أن يصبح الشئ معدوماً إذا ابتعد عن البصر
بُعداً يمنع من رؤيته . على أن من اليسير على الله جل جلاله و هو الخالق لهذه
العيون المبصرة ان يزيد في قوة ما شاء منها فيرى ما لا تراه العيون الأخرى
.
يقول "مالك بن نبي" ( أحد علماء
المسلمين ) في هذا الصدد :
{ إن عمى
الألوان مثلاً يقدم لنا حالة نموذجية ، لا يمكن أن تُرى فيها بعض الألوان .... و
هنالك أيضاً مجموعة من الإشعاعات الضوئية دون الضوء الأحمر و
فوق الضوء البنفسجي لا تراها أعيننا ، و لا شئ يُثبت علمياً أنها كذلك
بالنسبة لجميع العيون .. فقد توجد عيون يمكن أن تكون أقل أو أكثر حساسية
}
ثم إن استمرار الوحي بعد ذلك يحمل
الدلالة على حقيقة الوحي و أنه ليس كما أراد المشككون ظاهرة نفسية محضة ، و نستطيع أن نلخص هذه الدلالة في النقاط
التالية :
1 - التمييز
الواضح بين القرآن و الحديث ، إذ كان صلى الله عليه و سلم يأمر بتسجيل
الأول فوراً ، على حين يكتفي بأن يستودع الثاني ذاكرة أصحابه ، لا لأن الحديث
كلام من عنده لا علاقة للنبوة به ، بل لأن القرآن موحى إليه بنفس اللفظ و الحروف
بواسطة جبريل عليه السلام ، أما الحديث فمعناه وحي من الله ، و لكن لفظه و تركيبه
من عنده عليه الصلاة و السلام ، فكان يحاذر أن يختلط كلام الله عز و جل الذي
تلقاه من جبريل بكلامه هو .
2 - كان النبي
صلى الله عليه و سلم يُسأل عن بعض الأمور فلا يجيب عليها ، و ربما مر على
سكوته زمن طويل، حتى إذا نزلت آية من القرآن في شأن ذلك السؤال أحضر السائل و تلا
عليه ما نزل من القرآن في شأن سؤاله . و ربما تصرف الرسول في بعض الأمور على وجه
معين فتتنزل آيات من القرآن تصرفه عن ذلك الوجه ، و ربما انطوت على عتاب و لوم
.
3 - كان رسول
الله أمياً .. و ليس من الممكن أن يعلم إنسان بواسطة المكاشفة النفسية
حقائق تاريخية كقصة يوسف .. و أم موسى حينما ألقت وليدها في اليم .. و قصة فرعون
.. و لقد كان هذا من أحد الحِكَم في كونه صلى الله عليه و سلم أمياً ، يقول
تعالى : (( و ما كنت تتلو من قبله من كتاب و لا تخطه بيمينك
إذاً لارتاب المبطلون )) . أي أنك يا محمد لم تكن ممن يقرؤن و يكتبون و
ينظمون الشعر قبل بعثتك نبياً و تبليغك بالرسالة، فلو كنت كذلك لشك الناس في أمرك
وأنك قد أتيت بما أتيت به من عندك و من قولك .
4 - إن صدق
النبي صلى الله عليه و سلم أربعين سنة مع قومه و اشتهاره فيهم بذلك يستدعي أن
يكون عليه الصلاة و السلام من قبل ذلك صادقاً مع نفسه ؛ و لذا فلابد
أن يكون قد تأكد من مجئ الوحي إليه و قضى على أي شك يخايل لعينيه أو فكره
.