----- Original Message -----
Sent: Tuesday, June 04, 2002 3:23 PM
Subject: مولد الهدى : دروس من السيرة ( 8 )
الدعوة
السرية
بدأ النبي يستجيب لأمر الله ، فأخذ
يدعو إلى عبادة الله وحده و نبذ عبادة الأصنام ، و لكنه كان يدعو سراً حذراً من وقع
المفاجأة على قريش التي كانت متعصبة لشركها و وثنيتها . فكان المسلمون الأوائل
يلتقون بالنبي سراً ، و كان أحدهم إذا أراد ممارسة عبادة من العبادات ذهب إلى شعاب
مكة يستخفي فيها عن أنظار قريش .
ثم بعد ذلك اختار لهم رسول الله صلى
الله عليه و سلم دار أحدهم ، و هو الأرقم بن أبي الأرقم ، ليلتقي بهم فيها .. و
كانت حصيلة الدعوة في هذه الفترة ما يقارب أربعين رجلاً و امرأة دخلوا الإسلام ...
و استمرت هذه المرحلة ثلاث سنوات .
وجه السرية
في بداية الدعوة :
لا ريب أن تكتم النبي في دعوته خلال
هذه السنوات الأولى لم يكن بسبب الخوف على نفسه ، فلو أن الله تعالى أمره من أول
يوم أن يصدع بالدعوة بين الناس علناً لما توانى عن ذلك . و لكن الله عز و جل أراد
له أن يبدأ الدعوة في فترتها الأولى بسرية و تكتم ؛ تعليماً للدعاة من بعده و
إرشاداً لهم إلى مشروعية الأخذ بالحيطة و الأسباب الظاهرة و ما يقرره التفكير و
العقل السليم من الوسائل التي ينبغي أن تتخذ من أجل الوصول إلى غايات الدعوة و
أهدافها .
و بناءًا على ذلك ، فإنه يجوز لأصحاب
الدعوة الإسلامية في كل عصر أن يستعملوا المرونة في كيفية الدعوة ، من حيث التكتم و
الجهر ، أو اللين و الشدة ، حسبما يقتضيه الظرف و حال العصر الذي يعيشون فيه .. على
أن يكون النظر في كل ذلك إلى مصلحة المسلمين و مصلحة الدعوة الإسلامية
.
و
الخلاصة :
أنه يجب المسالمة و
الإسرار بالدعوة إذا كان الجهر أو القتال يضر بها .
و لا يجوز الإسرار في
الدعوة إذا أمكن الجهر بها و كان ذلك مفيداً .
و لا تجوز المسالمة مع
الظالمين و المتربصين بها إذا توفرت أسباب القوة و الدفاع عنها .
و لا يجوز القعود عن
جهاد الكافرين في عقر دورهم إذا ما توفرت وسائل ذلك و أسبابه .
القومية
الإسلامية
حينما نزل قوله تعالى : (( فاصدع بما تُؤمر )) و صَدَع ( جهر ) رسول الله
صلى الله عليه و سلم في قريش و عامة العرب ، فاجأهم بما لم يكونوا يتوقعونه أو
يألفونه، و يتضح ذلك في رد أبي لهب عليه و في اتفاق معظم المشركين من قومه على
معاداته و مقاومته .
و في ذلك الرد القاطع على من يحاولون
تصوير هذا الدين بشرعته و أحكامه على أنه ثمرة من ثمرات القومية العربية ، و
يدَّعون أن محمداً عليه الصلاة و السلام إنما كان يمثل بدعوته التي دعا إليها آمال
العرب و مطامحهم في ذلك الحين ... و لو كان ذلك كذلك لما قاوموه و حاربوه في دعوته
.
و ليس الباحث في ذلك ، المُطَّلِع
على سيرة النبي صلى الله عليه و سلم ، بحاجة إلى أن يتعب نفسه بأي رد أو
مناقشة لهذه الدعوى المضحكة .. فالذين يروجون لها بين الناس هم أول من يعلم سخفها و
بطلانها . و لكنها على كل حال دعوى لابد منها في نظرهم ؛ من أجل إزاحة الدين و
سلطانه عن سبيل المبادئ و الأفكار الهدامة ... فليس المهم أن تكون الدعوى صحيحة حتى
يمكن الترويج لها ، و لكن المهم أن تكون مصلحتهم و أغراضهم تتطلب ترويج ذلك و
ادعاءه .