----- Original Message -----
Sent: Friday, May 17, 2002 10:11 AM
Subject: مولد الهدى : مختصر السيرة ( 4 )
فكان رسول
الله صلى الله عليه وسلم بعد عبد المطلب مع عمه أبي طالب ، وكان
عبد المطلب يوصي به عمه أبا طالب
وذلك لأن عبد الله أبا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا طالب
أخوان لأب وأم ، أمهما فاطمة
بنت عمرو ... بن مخزوم .
نبوءة رجل من لهب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
و كان رجل من قبيلة
لهب معروفاً بفراسته ، فكان إذا قدم مكة أتاه رجال قريش بغلمانهم ينظر إليهم ويخبرهم خبرهم . فذهب إليه أبو
طالب برسول الله وهو غلام ، فنظر الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم شغله عنه شيء ، فلما فرغ قال
: عليّ به ( أي أحضروه إليَّ ) ، فلما رأى أبو
طالب حرصه عليه غيَّبه عنه ، فجعل يقول : ويلكم
ردوا علي الغلام الذي رأيت آنِفا ، فوالله ليكونن له شأن ،
فانطلق به أبو طالب .
قصة بحيرى
الراهب
ثم إن أبا
طالب خرج في ركب
تاجرا إلى الشام ، فلما تهيأ للرحيل وأجمع المسير تعلق به رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، فرقَّ له أبو
طالب وقال : والله لأخرجن به معي ، ولا يفارقني ، ولا أفارقه أبدا . فخرج به معه ، فلما نزل
الركب بصرى من أرض الشام ، وبها راهب يقال
له بحيرى
في صومعةٍ له ، وكان إليه علم أهل النصرانية ، ولم يزل في تلك الصومعة منذ زمن راهباً ، إليه يصير
علمهم عن كتبٍ فيها ما يتوارثونه كابرا عن كابر .
فلما نزلوا ذلك العام ببحيرى ، وكانوا كثيرا ما يمرون به قبل ذلك فلا
يكلمهم ولا يعرض لهم حتى كان ذلك العام . فلما نزلوا به قريبا من
صومعته صنع لهم طعاما كثيرا ، وذلك عن شيء رآه وهو في
صومعته ، حيث أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في
صومعته في الركب حين أقبلوا ، وغمامة تظله من بين القوم . ثم أقبلوا فنزلوا في
ظل شجرة قريبا منه ، فنظر إلى الغمامة حين أظلت
الشجرة
، وتهصرت ( أي مالت ) أغصان الشجرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استظل
تحتها .
فلما رأى ذلك بحيرى نزل من صومعته ثم أرسل إليهم فقال : إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش
، فأنا أحب أن
تحضروا كلكم صغيركم وكبيركم وعبدكم وحُرَّكم
فقال له رجل منهم
: والله يا بحيرى إن لك لشأنا اليوم ، فما
كنت تصنع هذا بنا ، وقد كنا نمر بك كثيرا ، فما شأنك
اليوم ؟!
قال له بحيرى : صدقت قد كان ما تقول ، و
لكنكم ضيف وقد أحببت أن أكرمكم وأصنع لكم طعاما فتأكلوا منه
كلكم .
فاجتمعوا إليه ، و تخلف رسول
الله صلى الله عليه وسلم من بين القوم لحداثة سِنِّه ( أي لصغر
سِنِّه ) ، فبقي في رحال القوم تحت الشجرة .
فلما نظر
بحيرى في القوم لم ير الصفة التي يعرف ويجد عنده في كتب النصرانية
، فقال : يا معشر قريش
، لا يتخلفن أحد
منكم عن
طعامي
قالوا له : يا بحيرى ، ما تخلف عنك أحد ينبغي له أن يأتيك إلا غلام وهو أحدث
القوم سنا ، فتخلف في رحالنا
فقال :
لا تفعلوا ، ادعوه فليحضر هذا الطعام
معكم
فقال رجل من قريش : واللاتِ والعزى ( صنمان من أصنامهم ) ، إن كان
للؤم بنا أن يتخلف ابن عبد الله بن عبد المطلب
عن طعام من بيننا ، ثم قام إليه فاحتضنه وأجلسه مع القوم
.
فلما رآه بحيرى جعل يلحظه لحظا شديدا وينظر إلى أشياء من جسده قد
كان يجدها عندهم من صفته ، حتى إذا فرغ القوم من طعامهم وتفرقوا ، قام إليه بحيرى ، فقال له : يا غلام ، أسألك بحق اللاتِ
والعزى إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه ، وإنما قال له بحيرى ذلك لأنه سمع قومه يحلفون بهما
.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم له : لا تسألني باللاتِ
والعزى ، فوالله ما أبغضت شيئا قط بغضهما
فقال له بحيرى : فبالله إلا ما أخبرتني عما أسألك
عنه
فقال
له : سلني عما بدا
لك .
فجعل يسأله عن
أشياء من حاله في نومه وهيئته وأموره فجعل رسول الله
صلى الله عليه وسلم يخبره فيوافق ذلك ما عند بحيرى من
صفته في كتبهم ، ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على
موضعه من صفته التي عندهم .
فلما فرغ أقبل
على عمه أبي طالب فقال له : ما هذا الغلام منك ؟
قال : ابني .
قال له بحيرى : ما هو بابنك ، وما ينبغي لهذا الغلام أن
يكون أبوه حيا
قال : فإنه ابن أخي
قال : فما فعل أبوه ؟
قال : مات وأمه حبلى به
قال : صدقت ، فارجع بابن أخيك إلى بلده واحذر
عليه يهود فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغنَّه شرا ، فإنه كائنٌ لابن أخيك
هذا شأن عظيم ، فأسرع به إلى بلاده .
رجوع أبي طالب برسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان
من زرير وصاحبيه
فخرج به
عمه أبو
طالب سريعا حتى
أقدمه مكة حين فرغ من
تجارته بالشام ، فحدث أن "زرير" و "تمَّام" و "دريس" ،
وهم نفر من أهل الكتاب ، قد كانوا رأوا من رسول الله
صلى الله عليه وسلم مثل ما رآه بحيرى في ذلك السفر الذي كان فيه مع
عمه أبي طالب ، فأرادوه ، فردَّهم عنه بحيرى ، وذكَّرهم الله وما يجدون في الكتاب من ذكره وصفته وأنهم إن
أجمعوا لِما أرادوا به لم يخلصوا إليه ( أي أن الله حائلٌ بينهم و
بين ذلك ) ، ولم يزل بهم حتى عرفوا ما قال لهم وصدقوه بما قال فتركوه وانصرفوا عنه .
فشب رسول الله
صلى الله عليه وسلم والله تعالى يكلؤه ويحفظه ويحوطه من أقذار الجاهلية ؛ لِما يريد
به من كرامته ورسالته ، حتى بلغ أن كان رجلا ، وأفضل
قومه مروءة وأحسنهم خلقا ، وأكرمهم حسبا ، وأحسنهم جوارا ، وأعظمهم حِلما ، وأصدقهم حديثا ، وأعظمهم
أمانة وأبعدهم عن الفحش والأخلاق التي تدنس الرجال ؛ تنزها وتكرما ،
حتى ما اسمه في قومه إلا الصادق الأمين
؛ لِما جمع الله فيه من الأمور الصالحة
.